محمد رضا الحکيمي ، وهذا الأمر کما بينا قبل قليل ، يکشف عن مدى تواضع الشيخ الرئيس أمام الحق والواقع الثابت من جهة ، ومدى تسليمه وإيمانه بالشرع الإسلامي والوحي الإلهي ؛ باعتبار أنه أحد المؤمنين بهذه الشريعة السمحاء من جهة أخرى.
المقدمة الثانية : المقدمة الشرعية
وفيها يتضح مدى تسليم الشيخ للشرع المقدس ، فقد جاء قبوله بالشرع المقدس في الوقت الذي وصل إلى طريق مسدود أمام العقل في مسألة إثبات جسمانية المعاد في اليوم الآخر ، (١) فالدليل العقلي معه کان مثبتاً للمعاد الروحاني دون الجسماني ، ولکن هذا الأمر لم يکن مضراً بيقينه التام بوجوب تصديق خبر الصادق الأمين ٩ بناءً على ما اخترناه من الحمل على المحمل الحسن وإن ما توصل إليه بالدليل العقلي کان مخالفاً لظاهر ما جاء به الشرع في بيان کيفية وطبيعة المعاد في اليوم الآخر ، لصريح القرآن بجسمانيته على النحو الذي لا مجال للتإويل فيه ، فقد کانت بعض آياته نص في ذلک ، وأما بالنسبة للمصدر الشرعي الثاني والذي لا تقل درجته عن مقام القرآن فيما إذا کانت دلالته صريحة وواضحة مع سلامة السند من التضعيف والخدش فقد بلغ حد الاستفاضة ، إن لم نقل بالتواتر في إثبات هذه الحقيقة ، التي أصبحت بعد ذلک واضحة للجميع ، إلى الحد الذي لا يبقى للمنکر إلا العناد والتعمد في الجدال بلا دليل يعضده لقوله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ ). (٢)
ومن هنا تتجلى لنا عظمة الشيخ الرئيس في هذه المسألة ، فإنه على الرغم من وجود الدليل عنده على إثبات الطرف الثاني المعاد الروحاني ونفي الطرف الأول
ــــــــــــــــ
١. فقد ذکر السيد جلال الدين الآشتياني في شرحه على زاد المسافر لملا صدرا ، ( ... ابن سينا لا يعتقد بحشر الأجساد وبالمعاد الجسماني ، خصوصاً وأنّه أقام الدليل على امتناع المعاد الجسماني وعود الروح إلى البدن ) ، راجع الکتاب المذکور ، ص ٦٥ ـ ٧١.
٢. النمل ، ١٤.