مع عالم آخر في سلک واحد ، ولکلٍّ من أهل السعادة ما يريده من المسلک بأي فسحة يريدها ، فالعوالم هناک بلا نهايةٌ کلٌّ منها ( كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) ، بلا مزاحمة شريک وسهيم.
٦. إن الأجساد الأخروية وعظامها من الجنان والأنهار والغرفات والبيوت والعبيد والغلمان وغيرها موجودة بوجود واحد ، وهو وجود الإنسان الواحد من أهل السعادة ؛ لأنه محيط بها تأييداً من الله نزلاً من غفور رحيم ، وليس کذلک حال الشقي الجهنمي بالنسبة إلى ما يصل إليه من النيران والأغلال والسلاسل الحيّات وغيرها ؛ لأنها محيطة به کما قال تعالى : ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) (١) ، وقوله : ( إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) (٢) ، إنّ في هذا لبلاغاً لقوم عابدين ، انتهى کلامه ).
وعليه فمن خلال ما ذکره صدر المتألهين في جملة هذه الفروق ، يتضح لنا أن عالم الدنيا عالم آخر غير عالم الآخرة ، له قوانينه الخاصة به ، يختلف تماماً عن قوانين وخصائص عالم الآخرة ، فالدنيا تختص بظواهر الأشياء ، والآخرة تعد انکشافاً لبواطن هذه الظواهر ، کما قال تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٣) ، فالدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء.
٥. الأصول الموضوعة
إنّ مجموعة من المسائل لا يمکن فهمها وإثباتها ما لم تبحث بعض مقدماتها إلى تشکل المبادئ التصورية أو التصديقية في المرحلة الأولى ، وتختلف المسائل في صعوبتها وسهولتها من مسألة إلى أخرى ، وباعتبار أن مسألة المعاد الجسماني واحدة من المسائل المهمة والعويصة ، والتي مازال إلى يومنا هذا الإبهام وعدم
ــــــــــــــــ
١. الکهف ، ٢٩.
٢. التوبة ، ٤٩ ؛ العنکبوت ، ٥٤.
٣. ق ، آية ٢٢.