مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ، (١) وقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) ، (٢) وقوله : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ، (٣) وغيرها من الآيات الصريحة في هذا الباب ، وأما الروايات فإنها بلغت حداً لا يمکن للفرد أن يشک فيه فضلاً عن إنکاره ، ومنها ما دل على أن الله يسلط الجرب على جماعة من أهل النار فيحکون حتى يبدو عظامهم فيقول الملائکة : هل يؤذيکم ؟ فيقولون : إي والله ، فيقول الملائکة : هذا بما کنتم تؤذون المؤمنين ، ومنها ما روي ٩ : ( يحشر الناس على صور يحسن عندهم القردة والخنازير ) ، ومنها ما دل على صيرورة بعض الأعمال حية ، أو عقرباً ، أو شجرة ، أو نهراً ، أو طعاماً ، وغير ذلک من الأحاديث الدالة على تجسم الأعمال الخيرية والشريرة ؛ لأن يوم القيامة يوم تبلى به السرائر وتظهر فيه البواطن. (٤)
وعليه فلا يبقى مجال للقول بعبثية المعاد الأخروي إذا کان الأمر هکذا ؛ لأن الله تعالى لا يقاس بفعل بأفعال الملوک والسلاطين في باب حسابهم وعقابهم لمن خالف أوامرهم من الرعية ، وکذا في باب العطاء لمن أطاعهم وأحبهم ، فلا يشتبه عليک الأمر.
و) کيف لنا دفع محذور حشر البعض أو حشر الجميع ؟
بيان الإشکال : إن الحشر وبعث الأجساد إما أن يقع لبعضها ، أو لجميعها ، فالأول ترجيح بلا مرجح ؛ لأن استحقاق الثواب والعقاب مشترک بين الناس أجمعين ، فلا وجه لبعث البعض دون البعض ، والثاني يوجب التزاحم المکاني لأجساد الناس وحسابهم وکتابهم ، وإليه أشار بقوله تعالى : ( وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا
ــــــــــــــــ
١. آل عمران ، ٣٠.
٢. النساء ، ١٠.
٣. الزلزلة ، ٧ ، ٨.
٤. لاحظ : ميرزا أحمد الآشتياني ، کتاب لوامع العقائد ، ج ٢ ، ص ٤٥ ؛ محمد إسماعيل الخواجوئي ، کتاب جامع الشتات ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، ص ٨٨ ؛ والشيخ جلال الصغير ، کتاب لهذا کانت المواجهة ، ص ٢٦ ـ ٢٩.