بحسب الترتيب الطولي ، فهو وجود واحد ذو مراتب ، ننتزع من کل مرتبة من هذه المراتب مفهوماً يحکي لنا طبيعة ذلک الوجود الخارجي الخاص بها ، وعندئذ يمکن أن يتفق مع ما جاء به حسن زاده آملي في کتابه ( عيون مسائل النفس ) حيث قال فيه : ( اعلم أن الإنسان لما کان لسعة وجوده وکونه مظهراً من مظاهر الحق الکلية شخصاً واحداً ذا مراتب ومقامات من مرتبته النازلة العنصرية التي هي شهادته المطلقة إلى مرتبة غيبة الأحدي الإلهي ، يتصف بالأضداد وهو شخص واحد ، فله أين ومتى مثلاً کما أن له تجرد عنهما ، وهو ظاهر وباطن وغيرهما من الأسماء المتقابلة ، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه بجمعه بين الأضداد ... ) (١).
وعليه يظهر مما تقدم وغيرها من عبارات الفلاسفة والحکماء في باب معرفة الإنسان ونفسه ، أن الإنسان الواحد المحسوس ، لم يکون واحداً کما عليه في الحس ، وإنما هو کالمرکب من مجموعة حقائق ، کل واحد منها يمثل مرتبة من مراتب وجوده الخارجي ، فله وجود طبيعي ظاهر بهذا البدن العنصري المادي ، وله وجود مثالي يظهر بالجسم المثالي ، وهو برزخ بين الإنسان العقلي ، فالنفس في وحدتها کل القوى ، تظهر في مراتبها على نحو لا التجلي لا التجافي ، فلها في کل عالم من هذه العوالم الثلاثة حکم بلا تجاف ، وهذا الحکم والأمر لا يختص بالإنسان ، بل ما سواه مشترک فيه لقوله تعالى : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (٢) ، ولقوله: ( مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ... ) (٣).
الأصل الرابع : الحرکة الجوهرية
تعدّ مسألة الحرکة الجوهرية من مبتکرات الحکمة المتعالية ، بالشکل الذي طرحت به ، وبالنحو الذي استدل به على إثباتها ودفع الإشکالات الواردة عليها ، إذ لم تحظ
ــــــــــــــــ
١. حسن زاده آملى ، عيون مسائل النفس في شرح العيون ، العين ٤٤ ، ص ٥٦٣.
٢. الحجر ، ٢١.
٣. نوح ، ١٣ ، ١٤.