الأصل الثاني : النفس لا تفسد بفساد البدن
بعدما بيّنا أن النفس الإنسانية مجردة ، سواء على أساس القول بتجردها في مرتبتها العقلية فقط ، أو على أساس تجردها العقلي والخيالي ، فلازمه القول ببقائها وعدم فسادها بفساد البدن بعد مفارقتها إياه بالموت ، ولکن بالرغم من هذا فإن الفلاسفة أقاموا الأدلة على إثبات هذا الأصل ، ويمکن حمل فعلهم على إرادة التأکيد عليه ، وإلاّ فلا حاجة إليها ؛ لأن البقاء وعدم الفساد لازم للقول بالتجرد ، فإذا ثبت الملزوم ثبت اللازم ، وقد ذکر الشيخ الرئيس عدة براهين على إثباته ، في عدة من کتبه ، فمن أراد التفصيل فليراجعها (١).
ثم إنّ صدر المتألهين بيّن لنا علاقة النفس بالبدن بأنها علاقة لزومية ، ولکن لا کعلاقة المتضايفين ، ولا کعلاقة المعلولين لعلة واحدة في الوجود ، بل کمعية شيئين متلازمين بوجه کالمادة والصورة ، والتلازم الذي بينهما کما علمت يشبه التلازم بين الهيولى الأولى والصورة الجرمية ، فکل منهما محتاج إلى الآخر على وجه غير دائر دوراً مستحيلاً ، وأما عدم فسادها بفساد البدن ، فقد بين ذلک تحت عنوان ( الفساد على النفس مطلقاً محال ) (٢) ، ومن خلال هذا البحث برهن على عدم فسادها ، بعد دفع مجموعة من الإشکالات المحتملة التي ترد على الاستدلال ، فليراجع.
الأصل الثالث : للإنسان جسم طبيعي وجسم مثالي وروح مجردة
هذا الأصل جواب لسؤال قد حير العقول وتيه الأفکار ، وهو : ما هي حقيقة الإنسان ؟ هل الإنسان مجموعة من الأعضاء المتکونة من اللحم والدم والعظام ، أم أنه وراء هذا الجسم والبدن المادي شيء آخر ، فما هو ؟
ولقد طرحت نظريات متعددة في جواب هذا السؤال ، بعضها کانت مبتنية على
ــــــــــــــــ
١. الشيخ الرئيس ابن سينا ، کتاب الشفاء ، قسم الإلهيات ؛ تحقيق حسن زاده ، ص ٢٨٨ ـ ٢٤٩.
٢. لاحظ : صدرالدين الشيرازي ، کتاب الأسفار الأربعة ، ج ٨ ، ص ٣٨٨.