٣. في ماهية الإنسان
لا يخفى علينا أهمية هذه المسألة في باب المعاد ، بل هي من أمهات المسائل التي يتوقف على تحديدها ثبوت المعاد وعدمه ، وقد اختلفت فيها الآراء والنظريات ، ولا يهمنا هنا بيان هذه الآراء والنظريات المتعددة ، سوى بيان الغزالي في المسألة ، وقد قال فيها أنها جوهر مجرد غير جسماني ، مستدلاً على ذلک بعدة أدلة ، نذکر هاهنا بعضاً منها وهي (١) :
أولاً : قال : نتلقى المعقولات وندرک الأشياء التي لا تدخل في الحس والخيال والمعقول متحد ، فلو حل في منقسم لأنقسم المتحد وهذا محال.
ثانياً : القوة العقلية هي ذات تجرد المعقولات عن الحکم ألاين والوضع وسائر عوارض الجسم.
ثالثاً : القوة العقلية لو کانت تعقل بالآلة الجسدانية حتى يکون فعلها إنما يستتم باستعمال تلک الآلة الجسدانية ، لکن يجب أن لا تعقل ذاتها ، وأن لا تعقل الآلة ، وأن لا تعقل أنها عقلت ، فإنّه ليس بينها وبين ذاتها آلة ، وليس بينها وبين آلتها آلة ، ولا بينها وبين أنها عقلت آلة ، لکنها تعقل ذاتها آلتها والتي تدعى آلتها وأنها عقلت فإذا تعقل بذاتها لا بالآلة.
رابعاً : النفس لو کانت جسماً فلا يخلو إما أن تکون حالة في البدن ، أو خارجة البدن ، فإن کانت خارجة عن البدن فکيف تؤثر وتتصرَّف في هذا الجسم ، وکيف يکون قوام البدن بها ؟ ... وإن کانت حالّة في البدن فلا يخلو إما أن تکون حالة بجميع البدن ، أو بعضه ، فإن کانت حالة بجميع البدن فکان ينبغي إذا قطع منه طرف أن تنقص ، أو تنزوي وتنتقل من عضو إلى عضو ، فتارة تمتد بامتداد الأعضاء ، وتارة تتقلص بذبول الأعضاء ، وهذا کله محال ... وإن کانت حالة في بعض البدن فذلک
ــــــــــــــــ
١. لاحظ : أبو حامد الغزالي ، رسالة معارج القدس ، ص ٢٧ ـ ٣٣.