المعروف بدار الآخرة : ( ... فيا أيها الناس اعلموا أننا يمکننا أن نخرج من الماء ناراً ، وجعلنا ذلک لکم تذکرة لتعرفوا بذلک أننا قادرون على خلقکم ثانية ... ). (١)
ولکن الذي يشاهد ما يحدث اليوم في احتراق الغابات العظيمة عند هبوب العواصف ، يثبت له بالحس والوجدان أن القضية لم تکن تختص بنوع خاص من الشجر کما ذکر ذلک أرباب التفاسير ، وإنما العلة من وراء ذلک شيء آخر ، ولعله يرجع إلى انبعاث تلک الطاقة المخزونة في داخل هذه الأشجار التي حصلت عليها نتيجة عملية الترکيب الضوئي التي يقوم بها النبات ، وليس هنا محل شرح هذه العملية ، فلتطلب من محلها ؛ لأنها تخرجنا من تحقيق هدفنا من هذا البحث.
ومحل الشاهد هو أن الباري عز وجل يريد من خلال هذين الآيتين أن يبين لنا کيف أن إحياء الموتى وإعادة الرفات ليس بأعجب من إخراج النار من العود الأخضر ، والجمع بين المحرق والمورق ، کما بين ذلک صاحب کتاب حقائق التأويل. حتى قال صاحب تفسير التبيان متسائلاً : ( ... ومن يقدر على ذلک ألا يقدر على الإعادة ؟ ... ). (٢)
ثانياً : الإمکان الوقوعي للمعاد
إنّ إثبات الإمکان الذاتي للمسألة لا يکون دليلاً کافياً على إمکانها الوقوعي مالم تضرب بعض الأمثلة لها ، وما لم يتحقق ولو لفرد من أفرادها ومصاديقها في الخارج ، وعندئذ تَطَلَبَ منا أن نبحث عن أدلة قرآنية أخرى تحقق لنا هذا الأمر ، وعلمه سبحانه وتعالى بحال الإنسان ومدى مجادلته في الأمور وإن کانت ضرورية ، دعته أن يأتي بشواهد متعددة ومختلفة تکشف له هذا الأمر ، وترفع الاستغراب والاستبعاد عن نفس الإنسان ، وقد خصصنا بحثنا في هذه المسألة عن طرح تلک
ــــــــــــــــ
١. السيد عبدالحسين دستغيب ، الدار الأخرة ، ص ٢٠٩.
٢. أبو جعفر الطوسي ، تفسير التبيان ، ج ٨ ، ص ٤٧٦.