الأدلة القرآنية التي صورت لنا وقوع مثل هذا الأمر في عالم الدنيا ، حتى أصبحت هذه المسألة من المسائل الضرورية التي لا تقبل بعد ذلک الشک والريب ، ولا يخالف إلا من سفه نفسه ، وجحد بالحق الصادع ، وفيما يلي ذکر تلک الأدلة الواضحة في إثباتها :
الدليل الأول : إحياء عزير أو ارميا : (١) لقد حکى الله سبحانه قصتها في القرآن الکريم في جملة من الآيات الشريفة ، کما جاء في قوله تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). (٢)
والشيء العجيب في هذه القصة ، وهو حفظ الطعام من الفساد والتلف الذي من عادته أن يفسد قبل فساد بدن الحمار وذهاب لحمه ودمه ، فإنّ بقاءه کل هذه المدة الطويلة يبعث في النفس حالة التأمل والتفکر ، ويدل على تدخل يد القدرة والإعجاز الإلهي فيها ، فعندما شاءت إرادته أن يبقى ، بقي على ما هو عليه کما نقل لنا القرآن الکريم ، وکان بإمکان المولى القدير أن يبقي الحمار حياً عن طريق تطويل عمره ، ولکن لحکمة ربانية اقتضت أن يکون ذلک کما کان ، وحتى يتمکن عزير أو أرميا أن يشاهد کيف تحيى الموتى أمام عينه ، وليکون آية للناس ، فهو جواب عملي وفعلي لا يقبل الشک والترديد ، وکما قال السيد العلامة في تفسير الميزان : ( الهداية إلى الحق بالاراءة والاستشهاد کما في القصة ... وبيان الواقعة بإشهاد الحقيقة والعلة التي تترشح منه الحادثة أقوى من مراتب الهداية والبيان وأعلاها وأسناها ... وهي أنفى لمراتب الشبهة ) ، (٣) فکان ذلک الفعل الإلهي دليلاً حياً لجواب السائل ، حجة
ــــــــــــــــ
١. ينبغي الإشارة إلى أن التردد الذي ذکرناه هنا في الواقع راجع إلى اختلاف الروايات الناقلة لحکاية هذه القصة القرآنية.
٢. البقرة ، ٢٥٩.
٣. الميزان في تفسير القرآن ، ج ٢ ، ص ٣٦٠ ، ٣٦١.