أول الأمر أظهر من تعجب عودها إليه بعد المفارقة ، وتأثير النفس في البدن تأثير فعل وتسخير ، ولا برهان علي استحالة عود هذا وصيرورة هذا البدن مستعداً مرة أخرى لقبول تأثيره وتسخيره ). (١)
وبعد حکمة عليها بأنّها جوهر غير قابل للفساد بعد الموت ؛ لأن ذلک مما دل عليه الشرع المقدس ، طرح ثلاثة احتمالات ، ناقش منها اثنين ، وقبل الثالث ، بتوجيه منه قائلاً : ( نعم قد دل مع ذلک على البعث والنشور ، بعده وهو بعث البدن وذلك ممكن بردها إلى بدن ، أي بدن كان ، سواء كان من مادة البدن الأول ، أو من غيره ، أو من مادة استأنف خلقها ، فإنه هو بنفسه لا ببدنه ، إذ لا تتبدل عليه أجزاء البدن من الصغر إلى الکبر ، بالهزل والسمن ، وتبدل الغزائر ويختلف مزاجه ، مع ذلک هو ذلک الإنسان بعينه ، فهذا مقدور لله تعالى ، ويکون ذلک عوداً لتلک النفس ، فإنه کان قد تعذر عليها أنه تحظى بالآلام واللذات الجسمية بفقد الآلة ، وقد أعيدت لها آلة مثل الأولي ، فکان ذلک عوداً محققاً ، وأما قولکم في الثاني بأنه تناسخ ، فلا مشاحة في الأسماء ، فما ورد في الشرع يجب تصديقه ). (٢)
ويمکن لنا أن نخرج بهذه النتيجة ، وهي أن المعاد في نظر الغزالي هو عود النفس الجوهرية إلى بدن ما ، أي بدن کان في اليوم الآخر ، من دون أن يلزم ذلک بحسب تعبيره التناسخ ؛ لأن الشرع قد دل عليه ، فهو مجرد اسم لا غير.
٢. المعاد عبر التاريخ
تصورات الأقوام الديانات القديمة والحديثة وعلمائها
القراءات المتأخرة للتاريخ البشري ترى أن مسألة المعاد لم تکن وليدة الحقب المتأخرة من التاريخ البشري ، بل هي حالة متأصلة منذ القدم ، وظاهرة کانت موجودة في المجتمعات البدائية الأولي ، فلقد أولاها الإنسان منذ القرون الأولي اهتماماً بارزاً حتى کادت لا تکون هناک مسألة مثلها قد حظيت بهذا الاهتمام ، مما
ــــــــــــــــ
١. أبو حامد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، ص ٢٤٢ ، ٢٤٣.
٢. المصدر السابق.