أدى إلى تأصلها في أعماقهم ، وأصبحت واحدة من عقائدهم التي يعتقدون بها علي مر العصور والأجيال ، وخير شاهد عليها ما نجده مجسداً في آثارهم الباقية ، وحتى لو أغمضنا النظر عن الجانب السماوي لهذه المسألة ، وبحثناها على أساس البحث النفسي ، فإنا نجد أن النفس الإنسانية عند تحليلها تحتوي على ثلاثة أو أربعة جوانب فطرية لها العلاقة المباشرة في تعيين وتلوين الفکر الإنساني ، بل قد تکون هي العامل الثاني إن لم نقل هو الأول في تحريک الإنسان للبحث حول المبدأ ومعرفة حقيقته ، وطلب معرفة مصير الإنسان بعد الموت ، وما هي تدابير اللازمة في ذلک ، ومعرفة هل إن الحياظ مقيدة ومحددة بحدود الدنيا ، أم هناک عالم آخر ورائها يجب معرفته ومعرفة خصائصه ومستلزماته؟ وغير ها من الأمور والتساؤلات التي يجب معرفتها وإيجاب جوابها.
فالإنسان منذ أن وجد على سطح الکرة الأرضية ، ومن أول بداية عمره وهو طفل صغير ، يبدأ بطلب معرفة حقائق وماهيات الأشياء ، من خلال ممارسة السؤال التالي : ما هذا؟ ثم تبدأ عنده مرحلة أخرى بعد معرفة حقائق بعض الأشياء ، وهي السؤال عن علل هذه الأشياء عن طريق السؤال ، کيف حصلت ، وکيف وجدت؟ ومن هو الموجد لها؟ وهذا دليل حسي وجداني يکشف لنا بوضوح عن وجود حس فطري عند الإنسان ، يعبر عنه يحب الاستطلاع ، ومعرفة حقائق الأشياء وعلل وجودها ، وهذا يدفع به إلى التفکير والتحقيق حولها ، لعله يصيبها ، ثم أنا نجد عنده حساً فطرياً آخر ، يساعد على رقي الإنسان وتکامله ، وهو حب الجمال ، وهذا الحس يدفع به لأن يحقق ويطلب کل شيء يرى فيه مسحة الجمال المرغوبة له والمطلوبة من قبله.
فلم نجد على مدى التاريخ الإنساني أن إنساناً ما طلب ما يحقق له النقص والهوان وعدم الکمال ، فهو عندما يطلب شيئاً ويريد الوصول إليه ؛ لأنه بنظره فيه جمال لا بما فيه نقص للکمال ، ولکن هذا الجمال لم يکن جمالاً واحداً ، بل هناک