جملة من الأشياء تملک الجمال الصوري فقط ، وبعضها تملک الجمال المعنوي فقط ، وثالثة فيها القسمان من الجمال ، فالطالب للدنيا تغره زخارفها وزبرجها ، ولکن باطنها نار تلظّي ، فيما لو طلبت بما هي هي ، لا بما هي طريق إلى الآخرة ، والطالب للمال بما هو مال فقط لا بما هو معين ومساعد له على فعل الخير وقضاء حوائجه وحوائج إخوانه المؤمنين ، فهو طالب للجمال ولکنه جمال مقيد لا يتعدى حدود عالم الدنيا ؛ لأنه بهذا اللحاظ لا شأنَ له بالآخرة ، نعم لو طلبه لأجل خدمة البشرية بما فيها صاحبه ، ولخدمة الأفعال الخيرية ، فأن جماله لا يتقيد بقيود وحدود عالم الدنيا بل له جمال آخر يبطن هذا الجمال الظاهري ، فالإنسان مجبول على حب الجمال ، ولکنه مختار في تحديد متعلقه ، وعليه فيجب على الطالب لهذا الأمر أن لا يتقيد بقيود الجمال الصوري ، بل عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار إلى جانبه الجمال المعنوي ؛ لأجل تحقيق سعادته في الدارين ؛ لأن الجهل والنقص والهوان ليست مرغوبة للإنسان ؛ لأنها توجب الحرمان في الدنيا ، وتوجب الحرمان في الدنيا ، وتوجب النيران في الآخرة.
وأما الشعور الفطري الثالث فهو حب الخلود والبقاء عند الإنسان ، وهو الباعث في الإنسان الخوف من الموت ؛ لأنه يحب الخلود والبقاء في هذا العالم الدنيوي ، ولکن بما أنه لا مفر منه ، سعي الإنسان للقيام بدراسة ما يتعلق بعالم الدنيا ، من خلال مجموعة أسئلة يطرحها ويحاول إيجاد الجواب المقنع لها ، ومن جملتها : هل تبقى الدنيا من دون أن تزول ؟ وهل موجودات هذه الدنيا باقية لا تزول ؟ وهل هناک عالم آخر وراءها ؟ وما هي خصائصه ؟ وکيف يتم التوقي من آفاته وآلامه ؟ يرى من خلال تجربته في الحياة ، أنه لا بقاء لشيء من هذه الموجودات ، ويرى أمام عينيه حصول التغيرات والتبدلات وعدم الدوام والبقاء ، فيتيقن أنه لا خلود في هذا العالم ، ولکنه ذاته ونفسه يطلب البقاء والخلود ، وهو حس فطري لا يکذب ، فعليه أن يطلب معرفة متعلقة ، أين هو ؟ وکيف يتم معرفة طريقة ؟ فلا يجد له متعلقاً دنيوياً يشبع هذا الحس الفطري الصادق ، فيبحث هنا وهناک لکي يصل إلى متعلقه الواقعي ،