وعند اليأس من صلاحية موجودات عالم الدنيا ، يبدأ يفکر بعالم آخر خارج عالم الدنيا ، فيبعث فيه روح البحث والتحقيق والتفکير بذلک العالم الغيبي الأخروي ، فيقوم بدراسة واقعية دقيقة في ما يجب فعله وطبيعة التدابير اللازمة التي يجب مراعاتها ، بالشکل الذي يتناسب مع حقيقته ، فهو الموسوم بسمة البقاء والخلود الأبدي ، وهو السفر الطويل الذي ينتظره ، وذلک کله باعتبار أن الإنسان موجود مفکر ؛ لأنه الموجود الذي يمتلک قوة التفکير والإدراک ، فيرى من المنطق وجوب تهيئة جميع المستلزمات المطلوبة لذلک العالم الغيبي ، وهذا هو العامل الأساسي الذي دفع بالمجتمعات البدائية إلى البحث عن طريقة تحفظ أمواتهم ، وعقيدتهم بالحياة الأخرى دفعت بهم إلى دفن الطعام والملابس والأموال مع أمواتهم ، لعله يحتاج ذلک إليها في ذلک العالم ، على العکس من الإنسان الموحد الذي يأخذ عقائده وتعاليمه من السماء عن طريق الأنبياء والمرسلين : ، فهو بالإضافة إلى عقيدته بوجود ذلک العالم ، فإنه يرسل بطعامه وشرابه قبل رحيله من عالم الدنيا ؛ وذلک من خلال فعل الخيرات وأعمال الصالحات والابتعاد عن المنکرات.
وأما الشعور الرابع فهو الشعور الديني ، ويعد هذا البعد للنفس من مکتشفات بعض محققي ومحللي علم اجتماع ، ودليلهم عليه ظهور حالة التدين وعبادة الله عند البشر منذ القدم ، التي تکشفها لنا الشواهد التاريخية ، وعلم الآثار ، والمخلفات القديمة ، وغيرها ، التي تحکي عن حالي الثبوت عبر الأجيال البشرية على امتداد التاريخ ، فيرون أنها خير دليل على فطريتها.
ولکن ينبغي التنبيه على شيء مهم وهو : أن الأمر الفطري قابل للشدة والضعف ، فيتفاوت بتفاوت الأفراد ، حتى يصل إلى حالة الخمول والکمون والخفاء ، نتيجة لتعرض وتأثر الفرد بمجموعة عوامل خارجية وداخلية ، تارة تؤدي إلى تقوية هذه الأمور الفطرية ، وأخرى تؤدي إلى ضعفها وخمودها وإخفائها ، فلهذه العوامل تأثير سلبي وإيجابي ، کل بحسبه.
ولکي نقف بشکل دقيق على ما نقله لنا التاريخ البشري من صور مختلفة عن