السادس : إن الأجساد الأخروية وعظمها من الجنات والأنهار والغرفات والبيوت والقصور والأزواج المطهرة والحور ، وکل ما لأهل الجنة من الخدم والحشم والعبيد والغلمان وغيرها ، موجودة بوجود واحد ، وهو وجود إنسان واحد من أهل السعادة ؛ لأنها محاط بها تأييداً من الله نزلاً من غفور رحيم ، وليس کذلک حال الشقي الجهنمي بالنسبة إلى ما يصل إليه من النيران والغلال والسلاسل والحيات وغيرها ؛ لأنها محاط بها ، کما قال تعالى : ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) ، (١) وقوله : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ، (٢) إن في هذا بلاغاً لقوم عابدين. (٣)
ولکن يبقى شيء مهم جداً في المسألة يحتاج إلى نحو من البيان والتفصيل لکي تکتمل لنا الصورة ، وهو البحث عن طبيعة وماهية البدن المعاد في اليوم الآخر ، فعندما يقال إن المعاد في ذلک اليوم هو عين الجسد الدنيوي ونفسه بلا تفاوت کما طرحها القرآن الکريم ، فما هو المراد من هذا البدن الذي يبقى مع النفس من دون أن يطرأ عليه العدم ؟! وإلاّ لکان مثل البدن الدنيوي لا عينه ؛ لاستحالة تخلل العدم بين الشيء ونفسه ، وهو خلاف ما جاء به القرآن الکريم ، وهذا ما سنبحثه على أساس ما جاء في کلام ملاصدرا ، تحت عنوان اعتبارات البدن في المسألة الآتية.
٥. اعتبارات البدن
ذکر للبدن اعتبارين لکل واحد منها خصوصية خاصة به من حيث البقاء والدوام وعدمه ، وإليک بيانهما :
الاعتبار الأول : کون البدن بدنا لهذه النفس. (٤)
الاعتبار الثاني : کون البدن حقيقة في حد ذاته وجوهره ، ومن جملة أجسام العالم الطبيعي. (٥)
ــــــــــــــــ
١. الکهف ، ٢٩.
٢. التوبة ، ٤٩.
٣. صدرالمتألهين ، العرشية ، ص ٥٥.
٤. صدرالمتألهين ، تفسير القرآن الکريم ، ج ٥ ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨.
٥. المصدر السابق.