وعليه : فعلى الاعتبار الأول يکون البدن باقياً ومستمراً ببقاء واستمرار النفس التي کانت صورة لذاته وعلة لوجوده وغاية لتکونه ، بينما يکون على الاعتبار الثاني زائلاً وفاسداً ومتبدلاً مع کل نمو وذبول وزيادة ونقصان تطرأ عليه. وهنا قد يعترض أو يتساءل البعض عن ماهية بدن الإنسان في حال الطفولة وفي حال الشباب وفي حال الشيخوخة ، هل کانت باقية بعينها ، أم أنّها قد تغيرت وتبدلت ؟!
وفي صدد الجواب عن ذلک ، رأينا أن ننقل کلام صدرالمتألهين ؛ ليتناسب مع طبيعة البحث الذي نحن في صدده ، إذ جاء في جوابه عن ذلک قوله : ( الجواب : بلا ، وبنعم ، کلاهما صحيح ؛ إذ کلٌّ من السلب والإيجاب صادق بوجه دون وجه ، فهو من حيث هو بدن زيد شخصي ذو نفس شخصية ، صح أنه هو بعينه ذلک البدن بلا تبدل إلا في عوارض هذا المعنى ، بما هو المعنى ، ومن حيث إنّه جسم له طبيعة جسمية ـ مع قطع النظر عن ارتباطه بأمر آخر ـ فهو في کل سنة غير الذي کان في السنة الأخرى ، بل في کل ساعة ولحظة هو غير الذي کان وسيکون ؛ لکونه دائماً في التحلل والذوبان ). (١)
ثم أنه قال : ( فإذا أحکمت هذا ، فاعلم أنه إذا فرض تبدل هذا البدن بالبدن الآخر مع بقاء النفس فيهما صح قولک ، بأن أحدهما بعينه هو الآخر ، وصح اعتقادک بأن ما يرى في المنام بعينه هو هذا البدن المتعين ولا عبرة بتبدل المواد والخصوصيات ، فکل من يرى ببصره القلبي نفس الرسول الأعظم ٩ مع أي تمثل کان ، فقد رأي صورة ذاته بعينه ؛ إن العبرة بتعين الشيء هو نفسه وصورته مع أي مادة کانت ، والبدن بمنزلة الآلة المطلقة للنفس ، فقد روى عن النبي الأکرم ٩ : ( من رآني في المنام ، فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بي (٢) ) ... . (٣)
ثم قال : ( الآلة من حيث هي آلة إنما تتعين بذي الآلة ، وکذا المادة في وجودها
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق.
٢. صدرالمتألهين ، تفسير القرآن الکريم ، ج ٥ ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨.
٣. کتاب التعبير ، صحيح البخاري ، باب من رأي النبي في المنام ، ح ٩ ص ٤٢.