في غاية الإبهام ، وإنما تتعين بالصورة وتستهلک فيها ، ولهذا تکون شخصية زيد تعيّنه باقياً مستمراً من أول صباه إلى آخر شيخوخته ، مع أن جسميته مما تبدلت وتجددت بحسب الاستحالات والأمراض ، وکذا جسمية کل عضو من أعضائه ، کما أن زيداً الشخصي ـ بمجموع ما يدخل في قوام هويته من النفس والبدن ـ بقى ومستمر ، وکذا جسميته وبدنه أيضاً ـ من حيث کونه بدناً لزيد ومرتبطاً به ارتباطاً طبيعياً موجود شخصي واحد مستمر من أول العمر إلى آخره ، وإن تبدلت ذاته بذاته من حيث جسميته لا من حيث بدنيته لما علمت من الفرق بين الاعتبارين ). (١)
وقال أيضاً : ( فجوهرية العبد في الدنيا والآخرة وروحه باقية مع تبدل الصور عليه من غير تناسخ ، وکل ما ينشأ من العمل الذي کان يعمله بالدنيا يعطي لقالبه جزاء ذلک في الآخرة ، ( إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ) ). (٢)
وبعد ذلک خرج بهذه النتيجة : ( إنّ هذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملة الموافق للبرهان والحکمة ، فمن آمن بهذا فقد آمن بيوم القيامة والجزاء ، وقد أصبح مؤمناً حقاً ، والنقصان عن هذا خذلان وقصور عن درجة العرفان ، وقول بتعطيل أکثر القوى والطبائع عن البلوغ إلى غايتها والوصول إلى کمالاتها ونتائج أشواقها وحرکاتها ، ويلزم أن يکون ما أودعه الله في غزائر الطبائع الکونية وجبلاّتها من طلب الکمال والتوجه إلى ما فوقها هباءً ، وعبثاً ، وباطلاً ، وهدراً ). (٣) أقول : وسيأتي الکلام في مقدمات وأصول البرهان الذي أقامه ملا صدرا على إثبات ادعائه هذا فيما بعد ، وسنلاحظ فيما إذا کان بإمکان ما ذکره ، هل يثبت في وجه الاعتراضات والإشکالات التي يوجهها المخالفون من فلاسفة ومتکلمين أو لا ؟ وکذا نرى هل يصح أن يکون دليلاً عقلياً ثابتاً ومثبتاً للمعاد الجسماني على النحو الذي طرحه القرآن الکريم أم لا ؟ کل ذلک نؤجله إلى ما بعد بيان البرهان الذي قدمه لأول مرة في باب إثبات المعاد الجسماني على أساس المنطق العقلي.
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ج ٥ ، ص ٤٣٨ ـ ٤٥٠.
٢. المصدر السابق ؛ والآية من سورة الأنبياء ، ١٠٦.
٣. المصدر السابق.