تحشر فيه جميع الأجساد ، وفيه سيکون الحساب الأخير ، وسيکون أهل المعرفة أکثر الناس مسؤولية وسؤالاً ، فإن المعلم المسؤول ( يوم الحشر ) عن إهماله في إرشاد من قد أجرم ، ومن عن الصراط السويّ کان قد انحرف ، ولسوف يرى کل امرئ أعماله حسنة أم قبيحة ، ولسوف يتميز المجرم يوم الحشر ويبقى ظاهراً ظهور النعجة البيضاء وسط النعاج السود ، ويعتب المجرم حينذاک على خلانه الذين عملوا صالحاً في دنياهم ، وکان لهم من المعرفة نصيب ، ولم يهدوه بهدايتهم وتقويم خلقه ، ويقول لهم : لماذا نسيتموني : لماذا ترکتموني ولم تعلموني طريق الفضائل ؟ وعندئذ يترک خلانه الأخيار مکانهم في الجمع ، وقد علاهم الخجل ، وقد ختم الله على قلوبهم وألسنتهم لما فرطوا من حق إرشاد صاحبهم ). (١)
وبهذا القدر نکتفي من ذکر الشواهد على إثبات اعتقادهم في المعاد کما هو ظاهر في ديانتهم.
٥. المعاد في التصور اليهودي
يعتبر کتاب التوراة المصدر الأساسي للديانة اليهودية ، ويسمونه بأسفار موسى (٢) ويسمونه أيضاً بالعهد القديم ، الذي تمثل منه التوراة خمسة أسفار ، والذي يقسم إلى ثلاثة أقسام وهي : القسم التاريخي ، وقسم الشعر والأناشيد والحکمة ، وقسم تنبؤات الأنبياء ، ويحتوي على (٣٩) سفراً ، والسفر يتألف من إصحاحات ، وکل إصحاح يتألف من آيات ، فمثلاً سفر التثنية / الإصحاح الحادى عشر / الآية الثامنة ، تمييزاً لها عن العهد الجديد ، الذي يتألف من (٢٧) سفرا ، الذي يرتضيه المسيحيون.
ولا يشک أحد في أصلهما ؛ باعتبار أنهما مما أنزله الله تبارک وتعالى على موسى وعيسى ، لقوله تعالى : ( وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ ) (٣) ولقوله تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ
ــــــــــــــــ
١. أبکار السقاف ، الدين في الهند والصين وإيران ، ص ٢٨٥.
٢. Pentateuque.
٣. المائدة ، ٤٦