القاعدة الثانية : تمکن في بيان سبب خلاص النور من الظلمة.
وقد قال صاحب الملل والنحل عبد الکريم الشهرستاني فيها : ( ... وجعلوا الامتزاج مبدأً ، والخلاص معاداً ... ) ، (١) ثم أضافة قائلاً : ( کانت البلاد الفارسية مسرحاً لکثير من الديانات ، شأنها شأن الأمم التي شارکت في بناء البنات الأولى في الحضارة الإنسانية کالهند ، ومصر ، وبابل ، وآشور ). (٢)
وقد نقل عن عقيدتهم في البعث والحساب : ( أن الروح لا بد بعد الموت أن تجتاز قنطرة تصفى فيها ، وهذه القنطرة مهمتها تمييز الأرواح الطيبة من الأرواح الخبيثة ، ولذلک فإن الروح تهب عليها ريح إما معطرة ، إذا کان الميت خيّراً ، وإمّا نتنة إذا کان شريراً ، فتحمل إلى موضع يلتقي فيه إمّا بفتاة جميلة ، وإمّا بعجوز مزعجة ، ليست الأولى فتاة حقيقة ، ولا الثانية عجوزاً حقيقة ، وإنما هي صور أعمال الميت ... ). (٣)
وأمّا عقيدتهم في الجنّة والنار ، فقد اتضحت لنا من الفقرة السابقة ، وهي أن الأرواح الخبيثة لا تستطيع أن تجتاز تلک القنطرة ، فتتردى في درک من الحميم ، وأمّا الأبرار الذين حرصوا على أحکام عقيدتهم فإنهم يجتازون هذه القنطرة سالمين ، کيفما کان فإن للجنّة والنار وجوداً في عقيدتهم ، وهذا دليل واضح على إثبات المعاد وکونه جسمانياً بناءً علي ما جاء في اعتقادهم بتجسد الأعمال.
ولکنّ ما جاء في العبارة اللاحقة يؤکد تلک الحقيقة التي ذکرناها قبل قليل ؛ إذ أنهم يعتبرون يوم البعث فيه « مزدا » إلى الأرواح حياتها الأولى ، أي يوم يبعث فيه « مزدا » الأجسام الفانية جميعاً ، ويحيى فيه العظام التة کانت قد تحولت رميماً ، حيث نقل عنهم أنَّهم يقولون : ( يوم فيه سيعود الجسد ، وتعود الروح إلى تلک الصورة ، أو القالب الذي کان قد لحقه الفناء ، إن يوم البعث إنما هو اليوم الذي
ــــــــــــــــ
١. لاحظ : عبد الکريم الشهرستاني ، الملل والنحل ، ج ٢ ، ص ٥٩.
٢. المصدر السابق.
٣. عمارة نجيب ، الإنسان في ظل الأديان ، ص ٢٣١.