کما حصل لفيلسوفنا صدرالمتألهين في إثبات عقلائية (١) هذه المسألة بالشکل الذي لم يکن له نظير في من سبقه من کبار الفلاسفة والمتکلمين ، کما أنّه اهتدى إلى إثبات الحرکة الجوهرية وتجرد القوة الخيالية بالأدلة المحکمة ، خصوصاً عندما يکون ما جاء به لم يکن مخالفاً للشرع الصريح ، وإن لم يکن بتلک الکيفية الظاهرية التي بينها الشرع المقدس ، وما فهمه عامة الناس منه.
٨. في إشکالات المعاد الجسماني
أ ) شبهة الآکل والمأکول (٢)
بيان الشبهة : لو صار إنسان أو جزء إنسان ، جزءاً لإنسان آخر عن طريق الأکل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، أو بنقل بعض الأعضاء من إنسان إلى آخر ، فبأي أجزاء يعاد الإنسان ، فهل يعاد ببدن الآکل ، أو ببدن المأکول ؟ وبأيّهما يعاد ؟ فإن المعاد لا يکون بعينه وتمامه معاداً ، ويلزم منه تعذيب المؤمن وتنعيم الکافر في حال کون أحدهما مؤمناً والآخر کافراً ، أو يکون شخص واحد منعّماً ومعذبّاً في آن واحد باعتبار أن أحد أعضائه يعود للکافر والآخر يعود للمؤمن.
ــــــــــــــــ
١. بحسب نظرنا لا نراه دليلاً عقلياً على إثبات المعاد الجسماني بحسب النظر القرآني ما لم يؤول مجموعة هذه الآيات على ما يراه الفيلسوف في معنى الجسم ، کما تقدم بيان معناه في هذا الفصل ، نعم هو دليل على إمکان تعقل مثل هذه المسألة من قبل العقل البشري على أساس ما قدمه من المقدمات التي أحکمها بالدليل العقلي والنقلي ، باعتبار أن ملاصدرا لا يرغب بأن يأتي بدليل عقلي لم يکن عليه شاهد نقلي ، لأنه جعل النقل أساساً والعقل تابعاً له ، لا کما ذهب إليه أصحاب الفلسفة المشائية التي جعلت العقل هو الأساس وفي حالة مخالفة النقل يجب تأويله على أساس ما توصل إليه العقل في النتيجة ، نعم جعل الحق للعقل في المسألة فيما إذا لم يأت فيها بيان سماوى ، فتأمل ...!
٢. تعد هذه الشبه من أقدم الشبهات وأعقدها في باب المعاد الجسماني التي حارث فيها العقول وتاهت في حلها الأفکار ، فقد أجيب عنها بألوان مختلفة من الأجوبة والحلول ، کان أغلبها مبنياً على تخرصات وتوهمات تستند على أدلة ضعيفة ، ومازالت إلى يومنا هذا تفتقر إلى الجواب المحکم المتقن ، فلتراجع