ثم بعد ذلک بيّن أن صفة الأرض المحشورة تختلف عن صفة الدرض الدنيوية ، إذ الأولى تکون على صورة تسع الخلائق کلها من الأولين والآخرين ، واستشهد لذلک بقوله : تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ، (١) وقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ). (٢)
وکما نرى من جوابه عن هذا الإشکال والإشکال الذي سبقه ، أن العبرة والملاک الملحوظ فيهما هو التشخص الذي يکون بالنفس دون البدن ، والبدن يکون تابعاً للنفس في ذلک ، لا کما کان عليه الأمر في عالم الدنيا حيث کانت النفس تحدث من المادة بحسب هيئاتها واستعداداتها ، کما هو مبين في نظرية « النفس جسمانية الحدوث روحانية البقاء » ، بينما يکون الأمر في الآخرة على العکس تماماً بحسب نظره الشريف إذ البدن ينشأ من النفس بحسب صفاتها.
ج) خلق الجنّة والنار وجسمانيتهما (٣)
وهي أن المعلوم من الکتاب والسنة أن الجنّة والنار موجودتان بالفعل ، وإذا کانتا موجودتين فأين مکانهما من العالم ، وفي أي جهة يکونان ، أهما فوق محدد الجهات ، فيلزم أن يحصل في اللامکان مکان وفي اللاجهة جهة ، أو في داخل طبقات هذه الأجرام فيلزم التداخل المستحيل ، وفيما بين سماء وسماء ، فمع استحالته ، ينافي قوله تعالى : ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ). (٤)
ــــــــــــــــ
١. إبراهيم ، ٤٨.
٢. الواقعة ، ٥٠.
٣. لاحظ : الصدوق ، کتاب التوحيد ، تحقيق هاشم الحسيني الطهراني ، ص ١١٨ ؛ کتاب أوائل المقالات الشيخ المفيد ، ص ١٢٤ ، الفاضل السراب التنکابني ، کتاب سفينة النجاة ، تحقيق السيد مهدي الرجائي ، ص ٣٩٥ ؛ الجرجاني ، شرح المواقف ، ص ٢٠٣ ؛ حسن بن على ، صحيح شرح العقيدة الطحاوية من فکر آل البيت السقاف ، ص ٥٧٨ ـ ٥٧٩. الجرجاني.
٤. آل عمران ، ١٣٣.