الجواب : وقد أجاب عنه صدرالمتألهين بما هذا لفظه : ( هو أن يقال على منهج أبحاث المتألهين وطريقة أنظار السالکين إلى الله تعالى بأقدام المعرفة واليقين : إن حجتکم هذه مبينة على أن للجنّة وللنار مکاناً من جنس أمکنة الدنيا هذه ، لکن أصل إثبات المکان على هذا الوجه للجنّة والنار باطل ، فالشبهة منهدمة الأساس منحسمة الأصل ، ومما يوضح ذلک حسب ما مضت الإشارة إليه ، أن عالم الآخرة عالم تام لا يخرج عنه شيء من جوهره ، وما هذا شأنه لا يکون في مکان ، کما ليس لمجموع هذا العالم أيضاً مکان يمکن أن يقع إليه إشارة وضعية من خارجه أو داخله ؛ لأن مکان الشيء إنما بحسب نسبته وإضافته إلى ما هو مباين له في وضعه خارج عنه في إضافته ، وليس في خارج هذه الدار شيء من جنسه وإلا لم يوجد بتمامه ، ولا في داخله أيضاً ما يکون مفصولاً عن جميعه إذا أخذ من هذه الحيثية ، فلا إشارة حسية إلى هذا العالم عند أخذه تاماً کاملاً ، لا من داخله ولا من خارجه ، فلا يکون له أين ووضع ، ولهذا المعنى حکم معلم الفلاسفة بأن العالم بتمامه لا مکان له ، فقد أتضح أن ما يکون عالم تام فطلب المکان له باطل ، والمغالطة ، نشأت من قياس الجزء على الکل ، والاشتباه بين النقص والکامل ، ثم على سبيل التنزّل عن هذا ، لو سأل : هل الدار الآخرة مع هذه الدار منتظمتان في مسلک واحد والمجموع عالم واحد ، فحينئذ طلب المکان لهما صحيحاً ، أو کل منهما عالم بتمامه مباين الجوهر والذات للآخر غير منسلک معها في سلک واحد لا يجعلها داراً واحدة ، فحينئذ طلب المکان لهما غير صحيح ، وإن تعلم أن الحق هو الثاني إلاّ أن يراد بکونهما ضرباً آخر من الوحدة ، فإن العوالم والنشآت متداخلة في المعنى والقوام لا في الوضع والامتداد مع کون کل عالم منهما تاماً ، فإن الدنيا والآخرة لو لم يکونا عالمين تامين ، فلا يکون في الوجود عالم تام ؛ لأن المجموع ليس منتظماً في سلک واحد إلا بأن يکون أحدهما باطناً والآخر ظاهراً ، فلا محالة کل منهما عالم تام