الدليل الخامس : علاقة النفس بالبدن توجب التناسق بينهما قوة وفعلاً
هناک بحث حول طبيعة وعلاقة النفس بالبدن ، وقد ذکر في ذلک أن الترکيب بينهما ترکيب طبيعي اتحادي ، لا ترکيب انضمامي ، وهما في بدايتهما متسمان بالقوة ثم يأخذان بالتکامل التدريجي بموجب قانون التکامل الطبيعي الحاکم على عالم الإمکان ، ويخرجان من القوة إلى الفعل ، أو من الضعف إلى الشدة مادامت النفس متعلقة بالبدن في هذه النشأة الأولى ، ولها نوع استکمال آخر خارج هذه النشأة في عالم البرزخ کما ذهب إليه البعض. (١)
وعليه فلو تعلقت نفس بعد بلوغها مرتبة معينة من الکمال بحيث أصبحت فيها بالنسبة لهذه المجموعة من الکمالات بالفعل ، ببدن آخر عند کونه جنيناً أو غير ذلک ، للزم أن أحدهما بالقوة وهو البدن والآخر بالفعل ، وذلک ممتنع ؛ لأن الترکيب بينهما طبيعي اتحادي ، وهذا النوع من الترکيب يستحيل أن يتحقق بين أمرين ، أحدهما بالفعل ، والآخر بالقوة. (٢)
وقد يعترض علينا بالشکل التالي : برهانکم هذا يتناسب مع الالتزام بأن النفس تتعلق دائماً ببدن هو أدون منها مرتبة کبدن الجنين ، أو خلية النبات ، ولکنه غير جارٍ فيما إذا کان البدن بفعلية متناسبة مع فعلية النفس.
ونجيب عن هذا الاعتراض بأن محور هذا البرهان هنا هو لزوم التناسق بين النفس والبدن من حيث القوة والفعل ، وهذا الشرط مفقود في أکثر موارد التناسخ ، کما لو تعلقت ببدن الجنين الذي هو أدون منها مرتبة ، وما ذکرناه في إبطال التناسخ النزولي کان محوره لزوم الحرکة الرجعية في عالم الکون ، وهو خلاف القانون الحاکم عليه ، أو يستلزم النقض للحکمة الإلهية.
وعليه فإن الالتزام بالتناسخ يوجب القول بعدم التناسق بين النفس والبدن ولو
ــــــــــــــــ
١. لاحظ : محمد المحمدي ، کتاب المعاد ، الفصل ٨ ، ص ٩٣.
٢. راجع : صدر المتألهين ، الأسفار ، ج ٤ ، ص ٢ ، ٣.