والمقام الذي حصل للروح وهو الموجود المجرد عن نشأة الدنيا ، أو الکمالات اللائقة بجوهرها الإنساني ، إنّما هو ما حصلت بحرکتها الذاتية ، أو بأفعال وأعمال اختيارية ، فلا ينزل عنه بجوهرها إلا بموانع وأضداد يتوجه إليها وتمنعها عن الوقوف في درجة کمالها التي حصلتها وتُعِدُّ مادتها إلى الحرکة إلى ما يقابلها ، ودار الآخرة ليست بدار إعداد واستعداد من خارج ، بل إنّما هي دار الاستکفاء ، فالروح هناک مستکفية بذاتها ، وبذات مبدئها ، فلا يرتفع عنها ما کمال ذاتها کالوجودي الأخروي ... ). (١)
ب) عدم وفاء الأرض للأبدان غير المتناهية
بيان الإشکال : إن جرم الأرض مقدار محصور معدود ممسوح بالفراسخ والأميال والأذرع ، وعدد النفوس غير متناه ، فلا يفي مقدار الأرض ولا يسع ؛ لکي يحصل منه الأبدان غير المتناهية.
الجواب : قال صدرالمتألهين في جوابه : ( الحق بما مرّ من الأصول أن لا عبرة بخصوصية البدن ، وإن تشخصه المعتبر في الشخص المحشور جسمية مّا أية جسمية کانت ، وأن البدن الأخروي ينشأ من النفس بحسب صفاتها ، لا أن النفس يحدث من المادة بحسب هيئاتها واستعداداتها کما في الدنيا ) ، (٢) کما هو مبين في الأصل التاسع من الأصول العشرة التي مرّ ذکرها في هذا الفصل.
ثم قال : ( وليعلم أن الازدحام والتصادم والتضايق هو من خواص الأجسام الدنيوية ، وليس في الأجسام الأخروية ازدحام وتصادم ، فإن کان واحد من أهل السعادة له جنّة عرضها السموات والأرض ، من غير أن يزدحم شيئاً من الأفلاک والعناصر والأرکان ، أو يضيق بسبب وجودها الحيز والمکان ). (٣)
ــــــــــــــــ
١. راجع : الآشتياني ، الأستاذ سيد جلال الدين ، کتاب شرح بر زاد مسافر لملاصدرا ، ص ٢٥١.
٢. صدر المتألهين ، کتاب الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٠٠.
٣. صدر المتألهين ، کتاب المبدأ والمعاد ، المقالة الثانية ، ص ٤٩٤.