الآخرة ، ... وغيرها من التفاصيل التي تجري في اليوم الآخر ، فلم تترک شيئاً يتعلق به إلا بينته بشکل مفصل ، ولم يعهد هذا اللون من البيان في الشرائع السابقة.
وسوف نقتصر في بحثنا القرآني حول هذه المسألة على بحث ضرورتها وإمکانها ، بالشکل الذي يتناسب مع هدفنا من طرح موضوع هذه الأطروحة الرسالة فلذا سيکون بحثناً نوعاً ما استطرادياً ؛ لأننا خصصنا هذه الرسالة للبحث عنها عند فيلسوفَين ومتکلمَين من فلاسفة ومتکلمي الإسلام ، وهم ابن سينا ، وصدرالمتألهين ، وأبو حامد محمد الغزالي ، والخواجة نصير الدين الطوسي ، وسنبدأ البحث أولاً في مسألة ضرورة المعاد على أساس المنهج العقلي المستنبط من بعض آيات الذکر الحکيم ، ثم بعد ذلک نشرع في مسألة إمکان المعاد من وجهة نظر القرآن الکريم.
١. في إثبات ضرورة المعاد
مسألة المعاد الجسماني في القرآن الکريم بالشکل الذي يصلح أن يصاغ منها أقيسة منطقية وبراهين عقلية کما سيأتي بيانه فيما بعد عبر عنها القرآن بالحق ، کما جاء في قوله تعالى : ( ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الحَقُّ ) ، (١) وقوله : ( وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ) ، (٢) فهي الساعة التي يکشف فيها الغطاء ويکون البصر فيها حديد ، لقوله تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ، (٣) ولکن حال الناس کما وصفهم الذکر الحکيم في قوله : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) ، (٤) فبالتأمل والتدبر في القرآن الکريم نقف على جملة من الآيات الشريفة التي تصلح أن تکون في الواقع برهاناً قاطعاً ونوراً ساطعاً يورث المتدبر والمتأمل اليقين والاطمئنان بضرورة المعاد في اليوم الآخر ، خصوصاً وأن القرآن الکريم قد تعرض لبيان جميع ما يتعلق بمسألة المعاد الجسماني بشکلٍ لم يکن له نظير في الکتب السماوية السابقة ، کالتوراة والأناجيل وغيرها من الصحف والزبور ، فعند تلاوتنا لآية الشريفة نجد أن القرآن
ــــــــــــــــ
١. النبأ ، ٣٩.
٢. الحج ، ٧.
٣. ق ، ٢٢.
٤. سبأ ، ١٣.