٤. في تحقيق مسألة المعاد الجسماني وبحثها
إنّ البحث في مسألة الجسماني في نظر الشيخ الرئيس يتميز بطابع خاص يختلف عما هو عليه في أبحاث الآخرين ؛ لأن المتعارف عليه أن صاحب المبنى الخاص يجب عليه أن يتبع في تحقيقاته على أساس ما قرره من أصول ومبانٍ ، إلاّ أن شيخنا الرئيس ابن سينا کان له منهج خاص وأسلوب معين في تحقيق مسألة المعاد في اليوم الآخر ، خالف فيه کل مبانيه في التحقق ـ عندما أخذ النتيجة من الشرع المقدّس ـ باعتبار أنه صاحب منهج عقلي ومنطقي فيه ، إلاّ أنه في تحقيق هذه المسألة اتبع طريقاً خاصاً خالف فيه المنهج المتبع في تحقيق مسائل الفلسفة المشائية ، المبنى على أساس الاستدلال والمنطق العقلي ، فقد اتبع فيها أسلوباً يعتمد على ملاحظة مقدمتين أساسيتين عنده ؛ إحداهما عقلية ، والأخرى شرعية ، وقد استخلص من نتيجة
المقدمة الثانية وجوب الإيمان والاعتقاد بالمعاد الجسماني دون الکيفية التي توصل إليها عن طريق ما تبناه من أصول موضوعية في تحقيقه لمسائل فلسفته ، التي کانت تحتم عليه رفض التسليم التعبدي بشيء ما لم يدل الدليل المنطقي على إثباته ، ولکي تتضح هذه الحقيقة کان علينا أن نبين هاتين المقدمتين بنحو من التفصيل ، وکما يلي :
المقدمة الأولى : المقدمة العقلية في بيان محدودية العقل
إنّ أروع شيء في العالِم المحترف في أي فن من الفنون المختلفة ، هو بيان عجزه وافتقاره وعدم قدرته المطلقة في باب الإحاطة التامة بجميع المعارف والعلوم التي لم تکن تحت إمکانه ودائرة علمه وإدراکه ، خصوصاً فيما إذا کانت من جملة العلوم الغيبية التي قد لا يکون للعقل الإنساني سعة في إدراکها ومعرفة کنهها وحقيقتها ، والإلمام بجميع جزئياتها بتمام تفاصيلها ، ولا يعد هذا نقصاً في عقله ، بقدر ما يدل