ثم الواحد الذي لا قسمة له کيف يعقل ؟ والحد من جهة ما هو حدّ واحد ، فکيف يعقل من جهة وحدته ؟ والفصول المجرّدة لا تنقسم بالفصول ، والأجناس المجرّدة التي ليس لها أجناس ، وصورة المعقولات التي لا قسمة لها إلى مبادئ حدود کيف تعقل ؟
وقد بان وأتضح أن المعقولات الحقيقية لا تحل جسماً من الأجسام ولا تقبلها صورة متقررة في مادة جسم ). (١)
وقد لخص الشيخ حسن زاده آملي في کتابه الحجج البالغة على تجرد النفس الناطقة ، البرهان الأول المنقول في الشفاء بعبارة مختصرة قال فيها : ( وعصارة البرهان : أن الصور المعقولة بسيطة مفارقة ، ووعاء المفارق مفارق ، وأخصر من هذه أن نقول : وعاء العلم مجرّد ، أو تقول : العلم بسيط فمدرکه بسيط ). (٢)
وکيفما کان فإن مسألة تجرّد النفس الناطقة مما نطق به الشرع والعقل ، فلا يحتاج إلى مزيد بحث ، ولکن الذي يهمنا هنا هو الإشارة إلى أن البراهين التي طرحها الشيخ الرئيس کان محورها التجرد العقلي للنفس الإنسانية دون المراتب الأخرى ، ونترک التفصيل إلى المطالب له ، فليراجع کتبه. (٣)
٧. موقف الشيخ من نظرية الشرع في المعاد الجسماني
مما تقدم تبيّن لنا أن الکيفية التي انتهى إليها الشيخ الرئيس في طبيعة المعاد يوم القيامة ، هي بنفس الکيفية التي جاء بها الشرع المقدس تصديقاً منه به ، معتمداً في ذلک على مقدمة يقينية ، وهي تصديق خبر الصادق المصدق المعصوم ٧ ، وباعتبار أن مجال الوحي الإلهي غير محدود في المعرفة ومحدودية مجال العقل ، کما بينا
ــــــــــــــــ
١. الشيخ الرئيس ابن سينا ، المبدأ والمعاد ، ط ١ ، ص ١٠٠ ، ١٠١.
٢. حسن زاده آملي ، الحج البالغة على تجرد النفس الناطقة ، ص ٨٧.
٣. راجع : کتاب النجاة ، ط ٢ ، ص ١٧٤ ـ ١٧٧ ؛ الشيخ الرئيس ابن سينا ، کتاب النفس من الشفاء ، تحقيق آية الله حسن زاده آملي ، ص ٢٨٨ ـ ٢٩٤ ؛ مجموعة الرسائل الفلسفية ، ط مصر ، ص ٨٠ ـ ٨٤ ؛ رسالة فارسية في معرفة النفس ، تصحيح د. موسى عميد ، سنة ١٣٧١ ه. ش ، وغيرها.