٤. نظرية الغزالي في إمکان المعاد الجسماني
المتتبع لکتابات الغزالي في باب الأصول العقائدية ، لم يجد الغزالي قد أعار لهذه المسألة العقائدية المهمة أهمية ، کما کتب في باب المسائل الأخرى ، بل أنّه قد کرس جهده في بيان المسائل النفسية الروحية أکثر من غيرها ؛ وذلک بناءً على ما انتهجه من منهج الذوق والتصوف ، فقد ألف في هذا الباب کتباً ورسائل عديدة من حيث الکم والکيف ، بينما اعتمد في إثبات هذه المسألة الأصولية ( المعاد ) على الشرع المقدّس ، بما جاء به من نصوص صريحة وواضحة لا تحتاج إلى تأويل وتبيين ، وفي إمکانها ووقوعها اعتمد على القدرة الإلهية ، ولا يرى حاجة للبحث فيها أکثر من ذلک ، في حين يرى الآخرون أنها من أهم المسائل العقائدية ، التي لم يکشف البحث والتحقيق لحد الآن أسرارها الخفية عن طريق البرهان العقلي ، وما زالت مسائلها محل الکلام والتساإل إلى عصر الغزالي وما بعده ، ولأهميتها وتعقيدها أنزل الحق فيها ما يقارب ثلث التنزيل ، وفي أکثره قرنها الحق تعالى بمسألة التوحيد؛ لارتباطها الوثيق بها ، فما من آية نزلت في التوحيد إلا وختمت بالدعوة إلى الايمان بالمعاد واليوم الآخر ، بل لم تتعرض مسألة من مسائل الاعتقاد بهذا العدد من الإشکالات والتساؤلات کما تعرضت له مسألة المعاد وکيفيته ، ولکن الغزالي لم يرَ ما نراه ويراه الآخرون ، من عظم هذه المسألة وخطرها ، بل کان يرى أن الإيمان بها لا يحتاج إلى دليل ، بل الشرع کاف في إثباتها.
وقد وضح الفخر الرازي هذه الحقيقة بقوله : ( ... وإنما لم يشرحه في کتبه کثير شرح ، لما قال أنه ظاهر لا يحتاج إلى زيادة بيان ، نعم ربما يميل کلامه وکلام کثير من القائلين بالمعادين إلى أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلک البدن بدناً ، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ، ولا يضرنا کونه غير البدن الأول ، بحسب الشخص ، ولامتناع إعادة المعدوم بعينه ، وما شهد النصوص من کون أهل الجنة جرداً مرداً ، وکون ضرس الکافر مثل الجبل أحد ... ). (١)
ــــــــــــــــ
١. نقلا عن ، مسعود بن عمر بن عبدالله المعروف بسعد الدين التفتازاني ، شرح المقاصد ، ص ٩١.