وما دام البحث في بيان وجهة نظر الغزالي في هذه المسألة ، فما علينا إلا أن ننقل بعض ما ذکره الغزالي في تحقيقها ، فقد جاء في کتابه إحياء علوم الدين المجلد الأول ، في الرکن الرابع في السمعيات وتصديقه ما هذا نصه : ( وقد ورد بهما « الحشر والنشر » وهو حق والتصديق بهما واجب ؛ لأنه في العقل ممکن ، ومعناه الإعادة بعد الإفناء ، وذلک مقدور الله تعالى کالابتداء والإنشاء ، قال الله تعالى : ( قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) ، (١) فاستدل بالابتداء على الإعادة ، وقال عز وجل : ( مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) ، (٢) والإعادة ابتداء ثان ، فهو ممکن کالابتداء الأول ). (٣)
أقول : إنّه في بداية الأمر بيّن إمکان المعاد کان ثابتاً من جهة مجيء الشرع به ، ولزوم التصديق به ، ثم أنه أردف کلامه بحکم العقل الدال على إمکانه ؛ إذ لم يقم دليل عقلي على استحالته ، وما کان أمره کهذا فهو ممکن ، ثم أنّه بعد ذلک بيّن أن إمکان الإعادة مبتني على أساس القدرة الإلهية ، ثم أضاف بعد ذلک بيّن لنا کيفية الإعادة على أساس کيفية الابتداء ، وعليه تکون الإعادة روحانية جسمانية ، فيظهر لنا أنه من القائلين بالمعادين الروحاني والجسماني ، ولذا نجده في کتاب آخر من کتبه يوضح هذه الحقيقة لنا حيث جاء فيه : ( عود النفس إلى البدن بعد مفارقته عنه يوم القيامة ، أمر ممکن غير مستحيل ، ولا ينبغي أن يتعجب منه ، بل التعجب من تعلق النفس البدن في أول الأمر أظهر من تعجب عودها إليه بعد المفارقة ، وتأثير النفس في البدن تأثير فعل وتسخير ، ولا برهان على استحالة عود هذا وصيرورة هذا البدن مستعداً مرة أخرى لقبول تأثيره وتسخيره ). (٤)
وأوضح منه هو ما جاء في کتاب إحياء علوم الدين المجلد الرابع ، حيث جاء فيه
ــــــــــــــــ
١. يس ، ٧٨ ، ٧٩.
٢. لقمان ، ٢٨.
٣. أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج ١ ، ص ١٥٠.
٤. أبو حامد الغزالي ، مجموعة رسائل الغزلي ( المضنون على غير أهله ) ، ص ١٠٧.