تهافت الفلاسفة ، وقد کَثُرَت الفتاوى بکفرهم ونجاستهم ونجاسة کتاباتهم ، وحرمة تعلمها وتعليمها ؛ لأنها کانت تعد من کتب الضلال.
١. طبيعة التوفيق بين القرآن والعرفان والبرهان
قبل أن نبين کيف وفق صدرالمتألهين بين هذه الأرکان الثلاث ، علينا أن نبين المعنى المراد من التوفيق ، هل هو بمعنى التلفيق ، بحيث يعد هذا المنهج المتبع منهجاً التقاطياً من مجموعة أفکار أخرى أم لا ؟ فإن کان التوفيق بالمعنى الأول کما ينقدح بالنظرة الأولية البسيطة ، فلم يأت ملا صدرا بشيء جديد ، ولم يکن له فضل وجهد کبير ، بل قد يذم بدل من أن يمتدح عليه ، والحق أن ملا صدرا لا کما يبدو لنا بهذه النظرة الابتدائية البسيطة ؛ لأن الدور الذي قام به له يکن لمثله نظير في الزمان السابق ، فقد کانت محاولته هذه تعد أول محاولة ناجحة على أرض الواقع جمعت بين شهود العارف وقواعد الفيلسوف وظواهر الشريعة التي هي معتمد المتکلم والمحدث ، فقد جعل من خلالها المذاهب المختلفة مؤتلفة ، فکانت کل واحدة من هذه المذاهب الثلاثة تمثل رؤية خاصة عن الکون ، باعتبار أن لکل واحدة منها قواعدها وأصولها الخاص بها ، فکانت هناک رؤية کونية فلسفية ، وأخرى دينية ، وثالثة عرفانية ، وغيرها ، ولم تقتصر على ذلک فقط ، بل کل واحدة منها فسرت القرآن بالشکل الذي يتناسب مع الفهم الخاص بها ، فظهرت تفاسير متعددة ومتناقضة ، حتى قال العلامة الطباطبائي عن ذلک : ( إن الاختلاف بين المذاهب بلغ حداً لم يبق جامع بين أهل النظر إلا لفظ « لا اله إلا الله ، ومحمد رسول الله » وإن ذلک کان معلولاً لاختلاف المسائل والآراء العلمية ). (١)
فإن التوفيق الذي قام به ملا صدرا في الجمع بين أرکان هذه المذاهب الثلاثة ، على أساس جعل کل واحد من هذه القواعد والأصول جزءاً مشترکاً في صناعة
ــــــــــــــــ
١. الميزان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٥.