إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ، (١) التعبير بقوله « کلمح البصر » يعطي أن الأمر الذي هو کلمة « کن » موجود دفعي الوجود غير تدريجي ، فهو يوجد من اشتراط وجوده وتقيده بزمان أو مکان ، ومن هنا يتبين أنّ الأمر ـ ومنه الروح ـ شيء غير جسماني ولا مادي ، فإن الموجودات المادية الجسمانية من أحکامها العامة أنها تدريجية الوجود مقيدة بالزمان والمکان ، فالروح التي للإنسان ليس بمادية جسمانية إن کان لها تعلق بها. (٢)
وأما من حيث التجرد وعدمه ، فقد ذهب البعض إلى أن النفس مادية جسمانية کما عليه بعض المتکلمين وأکثر المحدثين ، کما سيأتي نقل أقوال بعضهم ، في الوقت الذي يسلمون ببقائها وعدم فنائها وانعدامها ، إلا من شذ في هذا الأمر ، وذهب الفلاسفة والحکماء وبعض المفسرين إلى القول بتجردها عن المادة ، في الوقت الذي يکون فعلها معها ، من حيث التدبير والتصرف في البدن في حال تعلقها به ، وأما مسألة بقائها فقد قام اتفاقهم عليه من دون استثناء ، وإن کانوا يختلفون في بداية نشأتها ووجودها ، فالبعض ذهب إلى أنه جسماني ، والآخر أنه روحاني ، وکيف کان فالأمر في بيان ما هي حقيقتها الجوهرية ، وإليک أقوالهم في المسألة :
١. القائلون بجسمانيتها من المحدثين
نقل السيد نعمة الله الجزائري قولاً عن الشيخ المفيد قائلاً فيه : ( أقول : وقد نقل عن الشيخ المفيد ( أنه قال برهة من الزمان بتجرد النفس ، ثم مرجع وقال :إنه لا مجرد الوجود إلا الله ). (٣) ثم قال : ( وأما قوله طاب ثراه : إن الذي أشارت إليه الکتب والأخبار والأدلة العقلية هو تجرد النفس ، فلا يخفى ما فيه ؛ وذلک أن الکتب والأخبار مشحونة باتصاف النفس بصفات المادية ، کالصعود والنزول ، والعذاب
ــــــــــــــــ
١. القمر ، ٥٠.
٢. محمد ري شهري ، ميزان الحکمة ، ج ٤ ، ص ٣٣٢٣ ؛ محمد حسين الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٣٥.
٣. نعمة الله الجزائري ، نور البراهين ، ج ٢ ، ص ٤٠٢.