طبيعة تعامل الشعوب مع هذه العقيدة ، بالشکل الذي يتناسب مع أفکارها ودياناتها وظروفها الخاصة بکل واحد من هذه المجتمعات ، وهل إن جميع الشعوب والأمم والأقوام قد اهتمت بهذه المسألة التي بينا فطريتها ، أم أن بعضها تعرض لظروف خاصة حالت دون تحقق ذلک ؟ هذا ما سيأتي البحث عنه في الصفحات القادمة ، مراعين في ذلک بقدر الإمکان التقدم الزماني لهذه الأمم والأقوام.
١. تصور المجتمع البدائي
يعتبر البدو القاطنون في الصحراء والبر نموذجاً حياً للمجتمع البدائي المنقرض ، باعتبار أن الأسر الأولى کانت تعتمد في مسيرة حياتها المعيشية على ممارسة الزارعة الديمية بواسطة سقي الأمطار وسهولة استغلال الأراضي وتربية الحيوانات لغرض الاستفادة من ألبانها ولحومها وجلودها وأصوافها وأوبارها ، وکذلک الانتقال عليها من مکان إلى مکان آخر تبعاً لمصدر معيشتهم ومعيشة حيواناتهم ؛ وذلک عند غياب وسائل النقل الحديثة ، والجدير بالذکر أن الکلام لا يعم بدو اليوم الساکنين في الصحراء والبر ، وإنما کلامنا في المجتمعات البدائية التي يغلب على طباعها التوحش والغلبة للقوة ، فإن هؤلاء القوم لهم طقوس خاصة في دفن الموتى ، وهي علامة ودليل کاشف عن اعتقادهم بعود الأرواح إلى الأجسام المدفونة ، ومن ذلک أنهم يضعون حجارة کبيرة على صدور موتاهم ، ويربطون أعضاءهم بحبال متينة ؛ لئلا يتحرکوا بعد عود الروح ، ويخرجوا من أماکنهم. (١)
٢. المجتمع المصري القديم
کانت لعقيدة الخلود مکانة خاصة في نفوس المصريين تکاد لا توجد عند غيرهم من الشعوب الأولى ، وذلک ظاهر من مصادر التاريخ المصري الذي يحکي لنا طبيعة الحياة والأفکار والعقائد عند المصريين القدماء ، فلا نجد مصدراً منها إلا
ــــــــــــــــ
١. جان ناس ، جامع الأديان ، ترجمة علي أصغر حکمت ، ص ١٧.