وليس بجسم ، ولا منطبع في جسم ، ولا هو متصل بالبدن ، ولا هو منفصل عنه ، کما أنّ الله ليس خارج العالم ، ولا داخل العالم ) ، (١) قال : ( فإذا انقطعت العلاقة ، انعدمت النفس ، ثم لا يعود وجودها إلا بإعادة الله سبحانه وتعالى ، على سبيل البعث والنشور کما ورد به الشرع في المعاد ) ، (٢) ويستدل على قوله هذا بقوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ). (٣)
ويظهر لنا جلياً مما تقدم من أدلة على إثبات جوهرية النفس واعتراضه على الفلاسفة بعجزهم عن تقديم وإقامة البرهان العقلي على بقاء النفس وعدم فنائها ، أن المقصود بهذه النفس التي تفسد بفساد البدن عند الموت وقطع العلاقة بينهما ، أنها غير النفس الجوهرية التي استدل عليها بالأدلة السبعة التي مرّ ذکرها قبل قليل ، وإنما يقصد بها النفس في مرتبة الحيوانية ، أو بعبارة أخرى النفس الحيوانية ، ولکن يبقى شيء جدير بالذکر ، وهو هل هذه المرتبة التي يعبر عنها بالنفس موجود مجرد أم جسماني ؟ ولا يمکن أن نقول مجرد ؛ إذ أنّه قدم أدلة على عدم فناء الجوهر المجرد بفناء البدن ، ولا يبقى إلا أن نقول إنها جسم أو جسماني ، يفنى بفناء البدن المرتبط به ، وقد ذکر شيئاً عنها عندما شرح الروح الحيواني ، ولکنه عند بيان حقيقة النفس التي جعلها مورد الخطاب الإلهي بيّن أنّ الحقيقة الإنسان نفسه وروحه ، وهي جوهر مجرد باقي من دون أنّ تفسد بفساد البدن ، وفي الظاهر أنّه يريد بها النفس المدرکة الناطقة ، وهي غير النفس الحيواني المنعدمة بالموت بحسب نظره هذا ، نعم قد نقل عنه صدرالمتألهين أنّه يقول بتجرد القوة الخيالية التي هي أحد قوى النفس الحيوانية ، وعندئذ فالمجرد لا يطرأ عليه العدم ، فيتنافي ما قاله هنا مع ما نقل عنه. (٤)
ــــــــــــــــ
١. أبو حامد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، ص ٢١.
٢. أبو حامد محمد الغزالي ، تهافت الفلاسفة ، ص ٢٧٦.
٣. القصص ، ٨٨.
٤. لاحظ : صدر الدين الشيرازي ، کتاب الأسفار ، ج ٨ ، ص ٣٢٠.