ولازم تسليم هذين الأمرين ، تعلق نفسين ببدن واحد : أحدهما النفس المفاضة على البدن لأجل صلاحيته للإفاضة ، وثانيتهما النفس المستنسخة المتعلقة بعد المفارقة بمثل هذا البدن ، فينتج أن التناسخ المبتنى على أحد هذين الأمرين لازم لاجتماع نفسين ، أو ممانعية أحدهما من طروء الأخرى ، وهو باطل. (١)
ومن المعلوم بطلانه ؛ وذلک لأن تشخص کل فرد من الأفراد بنفسه وروحه ، وفرض نفسين وروحين مساوق لفرض ذاتين ووجودين لوجود واحد وذات واحدة. (٢)
والحق أن الوجدان يکذب تعلق نفسين ببدن واحد ، إذا لو کان کذلک لأدرک من خلال العلم الحضور بالذات للذات التي نعبر عنها ب « أنا » ، أو من خلال إدراک أفعال النفس المدبرة لتلک الأفعال ، فلو کانت هناک ذاتان لحصل في يوم من الأيام التعارض بينهما من خلال تدبير البدن ، والأقوى من ذلک کله علمنا الضروري أنه لا يوجد معها في هذا البدن نفس أخرى مدبرة ومتصرفة في أمره ، وکذلک تعلم بالضرورة أنه ليس لها تدبير ببدن آخر ، وعليه فلا نفس معها في البدن ، ولا تعلق لها ببدن غير بدنها المتعلقة به ، ودليل ذلک کله الوجدان والواقع. فقد قال صاحب کشف المراد في هذا الصدد ما هذا لفظه : ( ... إنّه لو تعلقت نفس واحدة ببدنين ، لزم أن يکون معلوم أحدهما معلوماً للآخر وبالعکس ، وکذا باقي الصفات النفسانية ، وهو باطل بالضرورة ). (٣)
وقال التفتازاني : ( إن کل نفس تعلم بالضرورة أن ليس معها في هذا البدن نفس أخرى تدبر أمره ، وأن ليس لها تدبير وتصرف في بدن آخر ، فالنفس مع البدن على التساوي ، وليس لبدن واحد إلا نفس واحدة ، ولا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد ). (٤)
ــــــــــــــــ
١. لاحظ : ملاصدرا ، الاسفار ، ج ٩ ، ص ١٠.
٢. جعفر السبحاني ، کتاب الإلهيات ، ج ٤ ، ص ٣٠٦.
٣. راجع : کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، ص ١١٣.
٤. سعد الدين التفتازاني ، شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٣٨.