الجواب : لقد ذکر المتکلمون والفلاسفة عدة أجوبة لحل هذا الإشکال ، يظهر من أکثرها الضعف ، فقد ذهب البعض لدفعه إلى القول بوجود أجزاء أصلية وأخرى فواضل ، والأولى لا يمکن أن تکون أجزاءً للآخرين وإن أکلت من قبلهم مباشرة أو بصورة غير مباشرة ، أو نقلت إليهم کما يحصل في تبديل بعض الأعضاء في المستشفيات ، والأصلية تعاد لصاحبها الأول وإن ضلت في التراب ، أو نقلت إلى مکان بعيد عنه ، فإنها تعود إليه اعتماداً على العلم والقدرة الإلهية غير المحدودين.
وقد رده صدرالمتألهين بقوله : ( وکما ترى ، بناؤه على الإرادة الجزافية التي يثبتونها في الفاعل المختار الذي کأنه لا شغل له إلا حفظ الأجزاء المتفرقة الترابية عن أن يصير مادة لغذاء الإنسان حتى يتأتى الجواب للمتکلم عن اعتراض يرد عليه في هذا الباب ). (١)
ويمکن أن يعترض على المتکلم ، فيما لو استحالت الأجزاء الأصلية وصارت بذلک ماهية وحقيقة أخرى غير الأولى ، کما لو تعرض جسم الإنسان إلى نار محرقة شديدة الحرارة بحيث جعلته رماداً أسود ، فهو وإن بقي أصل وجوده ولکن هويته وصورته قد تغيرت تماماً ، خصوصاً فيما إذا أصبحت أحد أجزاء الجسم الجديد ـ المنتقل له أو الداخلة في ترکيبه ـ وعندئذ نسأل هل تبقى أصالته ، أم يصبح من جملة فواضل الأشياء ؟ واثبات أيٍّ منهما يحتاج إلى دليل ، ومع أن دليل العلمي التجريبي وقانون التکامل الطبيعي في الموجودات المادية ؟ وقد أثبتها هذا الدليلان دوام التبدل والتغير في الأجسام المادية بصورة عامة من دون أن يستثنى بعض أجزاء جسم الإنسان ، بل شمل مجموع الخلايا الدماغية التي کانوا يظنون أنها لا تتغير ؛ بناء على تسليمهم بنظرية الانطباع في مسألة الإدراک ، وبهذا الاعتبار فإن تبدلها دليل على عدم بقاء المعلومات المحفوظة فيها ، والحال أننا ندرک بالوجدان أن معلوماتنا السابقة عن الشيء لم تتغير بعد ، وعليه فلا يشملها التغير والتبدل
ــــــــــــــــ
١. المبدأ والمعاد ، المقالة الثانية ، ص ٤٩٣.