على باقي الناس الذين سيرون رجوعه إليهم بعد کل هذه المدة الطويلة التي استمرت مائة عام ، وعندئذٍ تنقطع السبل والحجج عن المستنکرين والمستبعدين لأمر إعادة الناس مرة أخرى ، وهو دليل حي على وقوعه بعد ثبوت إمکانه فيکون أمر المعاد ممکناً عقلاً وخارجاً ، بعد تحققه بالعيان کما جرى في أحداث هذه القصة.
وقال أيضاً : ( ... قد أبهم الله سبحانه وتعالي اسم الذي مرّ على القرية ، واسم القرية ، والقوم الذي کانوا يسکنونها ، والقوم الذي بعث هذا المار آية لهم ، کما يدل عليه قوله : ( وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ) ، (١) مع أن النسب في مقام الاستشهاد بالإشارة إلى أسمائهم ليکون أنفى للشبه ، لکن الآية وهي الإحياء بعد الموت ، وکذا أمرُ الهداية بهذا النحو من النصع لمّا کانت أمراً عظيماً ، وقد وقعت موقع الاستبعاد والاستعظام ، کان مقتضى البلاغة أن يعبر عنها المتکلم الحکيم القدير بلحن الاستهانة والاستصغار ؛ لکسر سور استبعاد المخاطب والسامعين کما أن العظماء يتکلمون عن عظائم الأمور بالتصغير والتهوين تعظيماً لمقام أنفسهم ؛ وکذلک أيضاً أبهم خصم إبراهيم ٧ في الآية السابقة ، وأبهم جهات القصة من أسماء الطيور وأسماء الجبال وغيرها في الآية اللاحقة ، وأما التصريح باسم إبراهيم ٧ فإنّ للقرآن عناية تشريف به ٧ قال تعالى : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) ، (٢) وقال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ ) ، (٣) وبما ذکرنا من النکتة ترى أنه تعالى يذکر أمر الإحياء والإماتة في غالب الموارد من کلامه بما لا تخلو من الاستهانة والاستصغار ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٤) إلى أن قال : وإنما قال : هذا القول أنى يحيي هذه القرية استعظاماً للأمر ، ولقدرة الله سبحانه من غير
ــــــــــــــــ
١. البقرة ، ٢٥٩.
٢. الأنعام ، ٨٣.
٣. الأنعام ، ٧٥.
٤. الروم ، ٢٧.