استبعاد الإنکار أو ما ينشأ منه ، والدليل على ذلک قوله على ما حکى الله عنه في آخر القصة : ( أعلم أن الله على کل شيء قدير ) ، ولم يقل : الآن کما يماثله قوله حکاية عن امرأة العزيز : ( الآن حصحص الحق ) ، ... على أنّ الرجل نبي مکلم وآية مبعوثة إلى الناس ، والأنبياء معصومون حاشاهم عن الشک والارتياب في البعث الذي هو أحد أصول الدين ... ) (١).
الدليل الثاني : إحياء طيور إبراهيم : وقد حکى الله سبحانه وتعالى هذه القصة عن طريق قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). (٢)
والدليل نفهمه عند التدبر والتأمل في هذه الآية الشريفة ، إنّ الإيمان أعمّ من الاطمئنان ؛ لأن الإيمان قد يشوبه الاضطراب ما لم يصل إلى درجة الاطمئنان ، أو قد نفهم منها أن الإيمان مفهوم تشکيکي له عدة مراتب ودرجات ، وأعلى مراتبه ودرجاته هو الاطمئنان الذي لايشوبه أي شائبة ما ، ويمکن أن نفهم لها معنى ثالثاً مستفاداً من رواية علي ابن الجهم عن المأمون ، حيث سأل الإمام الثامن علي بن موسى الرضا ٧ ، عن تفسيرها ، وعن سبب وعلة طلب نبي الله إبراهيم ٧ من ربّه بيان کيفية إحياء الموتى ، بعد ما کان نبياً معصوماً ، وحينئذ لا ينبغي له الشک والترديد ، مع أن الله سبحانه وتعالي علق ذلک على إيمانه ( أو لم تؤمن ) ، فأجاب الإمام رضا ٧ : « إنّ الله تعالى کان قد أوحى إلى إبراهيم ٧ أني متخذ من عبادي خليلاً ، إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم ٧ أنه ذلک الخليل ، فقال : ربّي أرني کيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلي ولکن ليطمئن قلبي على الخلّة ، قال : فخد أربعة من الطير فصرهن إليک ثم اجعل على کل جبل منهن
ــــــــــــــــ
١. الميزان في تفسير القرآن ، خ ٢ ، ص ٣٦٠ ، ٣٦١.
٢. البقرة ، ٢٦٠.