أساس النظرة الحسية ، والأخرى مستندة على أساس النظرة العقلية الفلسفية ، فالأولى لا تري شيئاً مجرداً اسمه الروح أو العقل ، بل الروح عندهم عبارة عن تلک الحياة السارية في البدن ، ولا تؤمن بوجود حقيقة مجردة وراء مجموعة هذه الأعضاء المادية ، وما الإدراک إلا مجموعة تفاعلات وانفعالات ميکانيکية للجهاز العصبي عند الإنسان ، ينتج عنها مجموعة قوانين کلية ، وحالات نفسية وظواهر روحية ، وعند تحلل خلايا الدماغ وعند ما تتعرض لأمر ما يؤدي إلى توقفها عن العمل ، فإن هذه النشاطات الروحية والتفاعلات الميکانيکية تتوقف عن العمل ، وعندئذ لا تبقى من حقيقة الإنسان سوى الجسد المادي الفاقد للحياة ، فلا وجود جوهري مستقل أصيل بعد ، وإليک شاهد على ذلک ، قول العالم المعروف « هنري برجسون » حيث قال : ( قد نضع قبلياً کما فعل أفلاطون تعريفاً للنفس ، فنقول إنها لا تحلل ؛ لأنها بسيطة ، ولا تفسد لأنها غير منقسمة ، وإنها بطبيعتها خالدة ، ثم ننتقل من ذلک عن طريق الاستنتاج إلى فکرة هبوط النفوس في الزمن ، ففکرة العود إلى الأبدية ، ولکن ماذا تقولون لامرئ ينکر وجود النفس المعرّفة على هذا النحو ؟ وکيف تستطيعون أن تحلوا المسائل المتصلة بالنفس الواقعية ، وأصلها الواقعي ، ومصيرها الواقعي ، حلاً واقعياً ؟ بل کيف تستطيعون أن تطرحوها في تعابير واقعية ؟ وکل ما فعلتم أنکم تتأملون في مفهوم فکري قد يکون فارغاً ، أو ضخمتم اتفاقياً معنى کلمة وضعها المجتمع لجزء من الواقع اقتطعه لسهولة التخاطب ؟ إن تقريره يظل عقيماً مادام التعريف اتفاقياً ، والمفهوم الأفلاطوني لم يتقدم بمعرفتنا عن النفس قيد شعرة ، رغم ألفي سنة انقضت في التأمل على أساسه ) (١).
وأقول : نحن لا ننکر دور الأعضاء ووظائف الجسم في صياغة تلک القوانين وظهور تلک النشاطات الروحية التي يقوم بها الإنسان الحي ، إلا أننا لا نؤمن بإطلاق
ــــــــــــــــ
١. د. عبدالله عبدالدائم ، منبعا الأخلاق والدين ، ترجمة د. سامي : ص ٢٨٠.