هذه القوانين الفيزيائية والفسلجية ، وإنما تقوم هذه الخلايا والأعضاء الجسمية بدور الإعداد والتهيئة لممارسة النفس المجردة دورها الفکري والروحي ، وإن مجرد إثبات العلاقة بين الإدراک أو الشعور والأفعال والانفعالات الکيميائية التي تتم في المخ ، لا يستنتج منه أن الأمر الذي نعبر عنه بالنفس ليس إلا هذه الوسائل والآثار الکيميائية والفيزيائية.
وأما النظرة الفلسفية حول الإنسان فإنها ترى بأنه موجود إمکاني ، کالمرکب من جسد وروح وجسم مثالي ، وإن کان فالخارج نراه شيئاً واحداً متصلاً بحسب الرؤية البصرية ، ولکنه بحسب الواحد ليس هو کذلک.
فقد بيّن صدرالمتألهين في کتاب الأسفار نظره في الإنسان قائلاً : ( اعلم أن القوى القائمة بالبدن وأعضائه وهو الإنسان الطبيعي ، ظل ومثل للنفس المديرة وقواها ، وهي الإنسان النفسي الأخروي ، وذلک الإنسان البرزخي بقواه وأعضائه النفسانية ظل ومثل للإنسان العقلي وجهاته واعتباراته العقلية ، فهذا البدن الطبيعي وأعضاؤه وهيأته ظلال ظلال ، ومثل مثل لما في العقل الإنساني ، وأما أن قوى الإنسان الطبيعي الذي هو بمنزلة قشر وغلاف للإنسان الحيواني المحشور في الآخرة التي هي دار الحياة ، لقوله تعالى : ( وَمَا هَٰذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (١). (٢)
فکأن الحکيم الفيلسوف صدرالمتألهين يريد أن يبيّن لنا من خلال هذا النص من عباراته ، أن الإنسان الواحد بحسب النظرة الحسية ، له مراتب في الوجود ، وهذه المراتب لها ظاهر ولها باطن ، ولباطنها باطن آخر ، فالبدن يعد مرتبة من مراتبه ، والبدن المثالي هو الآخر مرتبة ثانية ، والإنسان العقلي هو مرتبة ثالثة له ، مترتبة
ــــــــــــــــ
١. العنکبوت ، ٦٤.
٢. صدرالدين الشيرازي ، کتاب الأسفار الأربعة ، ج ٩ ، ص ٧٠ ـ ٧٢.