في قوانينه وخصائصه عن دار المقر والمستقر ، فعالم الدنيا مطلوب بالعرض ولغيره ؛ لوجوب عدم بقائه ودوامه ، وکما عبر عنها المعصوم : أنها مزرعة الآخرة ، فالعمل هنا والجني هناک ، فالإنسان يجني ويجمع ما يزرع ، فإن کان الزرع طيباً فإنه يجني طيباً ، وإن کان نکداً فإنه يجني نکداً ، وهو بالخيار ، فهو المسؤول عن ذلک کله ، ( فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ ) (١) ، ولقوله تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (٢).
وقد لخص ملا صدرا هذه الفوارق بينهما في ضمن ست نقاط أساسية ، وهي عبارة عن نتائج لأبحاث عقلية قام بها ، وفيما يلي إليک بيانها :
١. إنّ کل جسد في عالم الآخرة ذو روح ، بل حيّ بالذات ، ولا يتصور هناک بدن لا حياة له ، بخلاف الدنيا ، فإن أجسادها غير ذات حياة وشعور ، والذي فيه حياة ، فإنّ حياته عارضة له زائدة عليه.
٢. إنّ أجساد هذا العالم « الدنيا » قابلة لنفوسها على سبيل الاستعداد ، ونفوس الآخرة فاعلة لأبدانها على وجه الإيجاب ، وفي الآخرة يتنزل الأمر من النفوس على الأبدان.
٣. إنّ القوة ها هنا مقدمة على الفعل زماناً ، والفعل مقدم عليها ذاتاً ووجوداً.
٤. إنّ الفعل ها هنا أشرف من القوة ؛ لأنه غاية لها ، وهناک القوة أشرف من الفعل لأنها فاعلة له.
٥. إنّ الأبدان في الآخرة وأجرامها غير متناهية على حسب أعداد التصورات للنفوس وادراکاتها ؛ لأن براهين تناهي الأبعاد غير جارية فيها ، بل في جهات وأحياز ماديين ، وليس فيها تزاحم وتضايق ، ولا بعضها من بعض في جهة ولا داخلة ، ولکل إنسان من سعيد وشقي عالم تام برأسه أعظم من هذا العالم ، لا ينتظم
ــــــــــــــــ
١. عبس ، ٢٤.
٢. آل عمران ، ٣٠.