وأما ما جاء في تفسير الآية : إلى الله المصير ، (١) عن مجمع البيان أنه قال : ( أي مرجع الخلق کلهم إلى حيث لا يملک الحکم إلا الله سبحانه ، فيجازي کلاً على قدر عمله ) ، (٢) وقال صاحب الميزان فيها : ( للدلالة على تزکية من تزکى لا تذهب سدى ، فإنّ کلا الفريقين صائرون إلى ربّهم لا محالة وهو يحاسبهم ويجازيهم ، فيجازي هؤلاء المتزکين أحسن الجزاء ) ، (٣) وفيه إثبات للمعاد. والحرکة تقتضي وجود هدف ما ، وتتناسب طبيعة الحرکة مع طبيعة الهدف المنشود لصاحبها ، فالتناسب بينهما على نحو التناسب الطردي ، فطالب الدنيا هدفه الدنيا بما فيها من موجودات مادية ولذات حسية ، وطالب الجنّة هدفه الجنّة بما فيها من حور وأنهار و ... وطالب الله هدفه معرفته والوصول إليه ، فلا توجد حرکة بلا هدف ، وهدف الخلقة هو وصول کل شيء إلى کماله المخلوق من أجله ، والوصول إليه يحتاج إلى حرکة ما ، والحرکة تحتاج إلى بذل الجهد والمجاهدة والسعي والعناء ، وبما أن الهدف أولاً وأخيراً هو الله تعالى ، لقوله : ( أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ ) ، (٤) ولقوله : ( وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ) ، (٥) فهو غاية الغايات ، ومنتهى الحرکات ، شاءت أم أبت هذه الموجودات ، ولکننا لم نرَ تحقق هذا الأمر في عالم الدنيا ، فلابد أن يکون ذلک في عالم آخر ، وهو عالم الآخرة ، وفي يوم تحشر فيه الجميع إليه ، ذلک اليوم هو يوم المعاد ويوم القيامة ، حيث ينادي المنادي فيه : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَىٰ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ). (٦)
ولکن لا يعني هذا أن الکل سوف يصلون إلى مقام الکمال ، طالحهم وصالحهم ، وإنما هذا من باب الحشر ، ثم يأتي بعده النشر فينشرون کل بحسبه فمنهم من ينجو ومنهم من يهلک ويسقط في الهاوية ، وعندئذٍ لا يظلمون فتيلاً.
ــــــــــــــــ
١. فاطر ، ١٨.
٢. الطبرسي ، تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٠٥.
٣. الميزان في تفسير القرآن ، ج ١٧ ، ص ٣٤.
٤. الشوري ، ٥٣.
٥. آل عمران ، ١٠٩.
٦. غافر ، ١٦.