وينبغي أن ننبه على أن البعض حصر الحرکة فقط في جانب الماديات ، لأن المجردات لا تتناسب مع تعريفه للحرکة ، کما جاء ذلک عن فلاسفة المشاء ، باعتبار أن تعريفهم لها هو عبارة عن خروج الشيء من القوة على الفعل تدريجاً ، فأُخِذَت القوة وصف للشيء المتحرک ، وحيث إن الموجودات المجردة لا قوة فيها ، فلا حرکة فيها ، ولکن البعض ومنهم صدرالمتألهين لم يحصروا الحرکة في الموجودات المادية فقط ، بل قالوا بالحرکة في الموجودات المجردة ، کما يفهم ذلک من تعريفهم للحرکة ، فقد قال فيها ملا صدرا : ( الحرکة هي عبارة عن موافاة حدود بالقوة ) ، (١) فقد جعل وصف القوة للحدود لا للمتحرک ، وطبيعي حتى يستوفي تلک الحدود فانه يحتاج إلى حرکة ، وحيث إن الکمال غير متناه الحدود ، فهو في حرکة مستمرة سواء کان مادياً أو مجرداً بلا فرق ، إذ أن وصف القوة خارج عنه ، وقد قال بالحرکة في الموجودات المجردة بالإضافة إلى الموجودات المادية جملة العرفاء ، ودليلهم على ذلک قوله تعالى : ( كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) ، (٢) وهو مما أشار إليه أمير الموحدين : «آه آه من طول السفر وقلة الزاد». (٣)
وبعد أن اتضحت هذه المقدمة ، نأتي إلى تبيين الدليل على أساس المنهج العقلي المنطقي ، کما عليه المذهب المشائي القائل بحصر الحرکة في عالم الماديات ، وإليک تقريره :
المقدمة الأولى : عالم الطبيعة متحرک سيّال.
المقدمة الثانية : کل متحرک له هدف ينشده ويقصده.
النتيجة : عالم الطبيعة الواحد الحقيقي له هدف ينشده ويقصده.
ــــــــــــــــ
١. الأسفار ، ج ٣ ، ص ٣١.
٢. الرحمن ، ٢٩.
٣. لاحظ : بحار الأنوار ، ج ٣٣ ، ص ٢٧٥ :ج ٨٢ ، ص ١٥٦ : أبو الفتح الکراجي ، کنز الفوائد ، ص ٢٧ : أحمد ابن فهد الحلي ، عدة الداعي ، ص ١٩٥ ؛ الشيخ محمد مهدي الحائري ، شجرة طوبى ، ج ١ ، ص ١١١.