الأصول التي اضطربت فيها عقول الناظرين ، وتزلزلت آراء المتأملين ، بل زلّت أقدام أکثرهم عن سمت سبيلها ، وانحرفت أدهانهم عن قصد طريقها ، فلله الحمد ولّي الفضل والرحمة ، معطي النور والنعمة ). (١)
قال السيد الأستاذ کمال الحيدري : ( لا ريب أن النجاح الذي حققه ـ الشيرازي ـ في هذا المجال ، کان کبيراً جداً بنحو لا يمکن أن يقاس إلى التجارب التي سبقته ، بالأخص في المدرسة الإشراقية ، التي حاولت ذلک ولم توفق له ، مع أن عناصر الاتجاهين ومنابعهما کانت متقاربة ومشترکة ، وربما کان هذا هو سرّ نجاح هذه المدرسة وتحولها إلى إطار فکري وفلسفي ظلّ سائداً لقرون متعددة إلى يومنا هذا ، وفي هذا المقام من البحث تجلّت عبقرية صدر المتألهين ، حيث استطاع أن يحقق إنجازاً ضخماً على مستوى القواعد والمباني الفلسفية أدت إلى بناء نظام عقلي جديد قائم على أسس برهانية يمکنها تفسير العالم الإمکاني وعلاقته بمبدئه المتعالي ... ). (٢)
وعدّ الشهيد مطهري أن قضية النزاع التي کانت دائرة بين الفلسفة المشائية والفلسفة الإشراقية التي امتدت طيلة ألفي عام ، قد حسمت على يد الفيلسوف الکبير صدرالمتألهين في القرن الحادي عشر للهجرة. (٣)
وعلى أساس هذا الأسلوب العلمي المبتکر استطاع ملاصدرا أن يثبت عقلانية المعاد الجسماني الذي عجزت العقول عن إثباته ، فجعل العقول حيارى والإفهام صرعى ، بکل شجاعة من دون خوف ولا تردد ، وسيأتي الکلام مفصلاً في محله إن شاء الله تعالى ، ويعد هذا الأمر أول إنجاز علمي قام به فيلسوف إسلامي کبير ، ويکفيه فخراً في ذلک ، إذ حقق ما لم يسبقه إليه من متکلمي وعرفاء وفلاسفة الإسلام.
ــــــــــــــــ
١. صدرالمتألهين ، شرح أصول الکافي ، ص ٣٧٠.
٢. کمال السيد الحيدري ، دروس في الحکمة المتعالية ( شرح کتاب بداية الحکمة ) ، ج ١ ، ص ١٠٥.
٣. الشهيد المطهري ، أسس الفلسفة ، ج ١ ، ص ١٣.