وقد ذم المکتفين بالطريقة البحثية : ( إنّ کثيراً من المنتسبين إلى العلم ينکرون العلم الغيبي اللدني الذي يعتمد عليه السلاک والعرفاء ، وهو أقوى وأحکم من سائر العلوم ... ) ، (١) وقال في ذم المکتفين بالطريقة الذوقية فقط : ( ... لأن من عادة الصوفية الاقتصار على مجرد الذوق الوجدان فيما حکموا عليه ، وأما نحن فلا نعتمد کل الاعتماد على ما لا برهان عليه قطعياً ، ولا نذکره في کتبنا الحکيمة ). (٢) وقال أيضاً : ( ولا تشتغل بترهات عوام الصوفية من الجهلة ، ولا ترکن إلى المتفلسفة جملة ، فإنها فتنة مضلة ، وللأقدام عن جادة الصواب مزلّة ، وهم الذين : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) (٣) وقانا وإياک شر هاتين الطائفتين ، ولا جمع بيننا وبينهم طرف عين ). (٤)
وجاء في وصف الفريقين ما هذا نصه : ( ... إذن لا المشاءون بعد أرسطوا بلغوا ما بلغه بالمکاشفة ، ولا الإشراقيون والعرفاء بلغوا بالبحث والبرهان ، فهو المتفرد بالجمع بين مسلک الطائفتين والتوفيق بينهما ... ) ، (٥) وقال أيضاً : ( ولا يحمل کلامنا على مجرد المکاشفة والذوق ، أو تقليد الشريعة من غير ممارسة الحجج والبراهين والتزام القوانين ، فإن مجرد الکشف غير کاف في السلوک من غير برهان ، کما أن مجرد البحث من غير مکاشفة نقصان عظيم في السير ، والله المعين ) ، (٦) ولا يعد ملاصدرا نفسه أول من انتهج هذا اللون من البحث والتحقيق ، بل کان ينسب ذلک لغيره ، إلاّ أنه يعتبره غير موفق کما وفق هو فيه ، وإليک شهادته هذه : ( وظني أن هذه المطالب ، وإن أشارت إليها کلمات الأولين ، وقصدت إلى سبيلها عبارات المحققين ، إلا أنه يتفق لأحد إقامة البراهين وحجج أنوار العلم واليقين على مثل هذه
ــــــــــــــــ
١. صدرالدين ، مفاتيح الغيب ، ص ١٤٢.
٢. صدرالدين الشيرازي ، مقدمة الحکمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، ج ١ ص ١١.
٣. غافر ، ٨٣.
٤. المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٢.
٥. المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٠ ؛ نقلاً عن کتاب المبدأ والمعاد لصدر المتألهين.
٦. المصدر السابق ، ج ٧ ، ص ٣٢٦.