ومن مجموع هذه الشواهد وغيرها المذکورة في متون کتبه المتعددة ، تتضح لنا حقيقة الأمر في الحکم على ترتيب هذه الأصول من دون روية وفکر ، ويحق لنا القول بأن الترتيب الثابت عنده هو الترتيب الطولي بشرط أن يکون نص القرآن وقول المعصوم ٧ في المرتبة الأولى ، بحيث يکون مقدمة يقينية في الاستدلال العقلي ، کما يشهد لذلک القول التالي : ( بصفتها صادرة عن مبدأ العقل والوجود والحجج المعصومين عن الخطأ والزلل ، هي قضايا يقينية وضرورية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وبهذا العنصر الغني استجدت الفلسفة تطورها بقفزات جبارة وأثمرت عدداً کبيراً من المسائل الجديدة التي لم تکن تعهدها الفلسفات السابقة في الإغريق ... ). (١)
ولکن يجب أن يعلم من أنه ليس کل ما جاء به الشرع ناله العقل بنحو التفصيل ، ولا يحق للعقل الحکم باستحالته لمجرد عجزه عن نيله وإدراکه ، وفرق بين الحکم بالاستحالة العقلية وبين ما لا يستطيع نيله وإثباته ؛ باعتبار أن العقل يحکم ضمن دائرته ، فما فوق العقل يترک لأهل الکشف والشهود فأن دائرتهم ودورهم يبدأ حيث ينتهي دور العقل بشرط ألا يخالف الوحي الإلهي ، فإنه الميزان في تحقيق الأمور ، قال ملا صدرا : ( لا يجوز في طور الولاية ما يقضي العقل باستحالته ، نعم يجوز أن يظهر في طور الولاية ما يقصر العقل عنه ، بمعنى أنه لا يدرک بمجرد العقل ، ومن لا يفرق بين ما يحيله العقل وبين ما يناله ، فهو أخس من أن يخاطب فليترک وجهله ). (٢) وقال أيضاً : ( ثم إن بعض أسرار الدين وأطوار الشرع المبين بلغ إلى حد ما هو خارج عن طور العقل الفکري ، وإنما يعرف بطور الولاية والنبوة ، ونسبة طور العقل ونوره إلى طور الولاية ونورها ، کنسبة نور الحس إلى نور الفکر ، فليس لميزان الفکر کثير فائدة وتصرّف هناک ). (٣)
ــــــــــــــــ
١. صدرالدين الشيرازي ، مفاتيخ الغيب ، تعليقة المولى علي النوري ، قدم له محمد الخواجوي ، المقدمة ؛ ص عج
٢. صدرالمتألهين مجموعة الرسائل ، ص ٢٨٣.
٣. الشيرازي ، شرح أصول الکافي ، في آخر کتاب مفاتيح الغيب ، ص ٤٦١.