النفس المفارقة للبدن الأول بالموت ـ بحد تعبيرهم ـ بالجنين المتکون المستعد لقبول إفاضة النفس وتعلقها به حال وجودها ؟ هذا ما سنجيب عنه أولاً بجواب الغزالي ، ومن ثم بجواب الفلاسفة ، وإليک بيانه :
قال الغزالي : ( وقولکم : إن کل مزاج استعد لقبول نفس استحق حدوث نفس من المبادئ ، رجوع إلى أن حدوث النفس بالطبع لا بالإرادة ، وقد أبطلنا ذلک في مسألة حدوث العالم ، کيف !! ولا يبعد على مساق مذهبکم أيضاً أن يقال إنّما يستحق حدوث نفس إذا لم تکن ، ثم نفس موجودة فتستأنف نفس ، فيبقى أن يقال : فلم لم تتعلق بالأمزجة المستعدة في الأرحام قبل البعث والنشور ، بل في عالمنا هذا ؟ فيقال : لعل الأنفس المفارقة تستدعي نوعاً آخر من الاستعداد ، ولا يتم سببها إلا في ذلک الوقت ، ولا يبعد في أن يفارق الاستعداد المشروط للنفس الکاملة المفارقة الاستعداد المشروط للنفس الحادثة ابتداء التي لم تستعد کمالاً بتدبر البدن مدة ، والله تعالى أعلم بتلک الشروط بأسبابها وأوقاتها حضورها ، وقد ورد الشرع به ، وهو ممکن فيجب التصديق به ). (١)
وفيه : أن الذي يدقق ويحقق في هذا الجواب يجد فيه الضعف واضحاً ؛ لأنه لم يکن جواب على نحو القطع ، بل هو جواب مبنى على الاحتمال والظن والرجاء ، کما هو ظاهر من قوله السابق : ( لعل الأنفس المفارقة تستدعي نوعاً آخر من الاستعداد ، وقوله : ولا يبعد في أن يفارق الاستعداد المشروط للنفس الکاملة الاستعداد المشروط للنفس الحادثة ابتداء ) ، (٢) وما نحن فيه يجب أن يکون الجواب عنه قطعياً سواء کان عن طريق الشرع أم العقل ، وأما قوله : ( وقد ورد الشرع فيه ) ، (٣) لم يثبت بالدليل القطعي الصريح ، بل المقطوع به من الشرع خلافه تماماً ؛ لأنه صريح في إثبات العينية والنفسية بين البدنين الدنيوي والأخروي من غير أن يقبل التأويل ، لا المثلية
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ٢٤٣ ، ٢٤٤.
٢. لاحظ : المصدر السابق.
٣. المصدر السابق.