بمعنى أن الفاعل ليس له هدف مع أن الهدف ضروري لفعله ، أي أن الله ليس له مقصد مع أن وجود المقصد للعالم ضروري ؛ لأن فرض کون المولى له مقصد من ذلک ، بمعنى أن يکون مقصد فاعل لا فعل ، يلزم أن يکون الفاعل فاقداً لکمال ما يريد تحقيقه من وراء فعله هذا ، ولکن فعله لا يخلو عن هدف وغرض وإلاّ للزم أن يکون عبثياً ولهوياً ، وتعالى الله عن ذلک علواً کبيراً ، وهذا أصل قرآني قد عبر عنه الحکيم بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) ، (١) وبقوله : ( إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ). (٢)
فالذي نستفيده من جملة هذه الآيات وغيرها من آيات الذکر الحکيم أن لله في خلق السموات والأرض وما بينهما وما فوقهما وما تحتهما هدفاً ومقصداً ، وهذا الهدف والمقصد هو هدف فعل لا هدف فاعل ؛ لأنّه في الأول لا يعود بالفائدة على الفاعل ، على عکس الثاني الذي يتنافي مع کونه غنياً بالذات غير محتاج إلى غيره. وأما الأمر الثاني الذي قلنا فيه إن الله حکيم لا يصدر منه فعل بلا هدف ؛ لأنه مقتضى حکمته ، فالحکيم لا يفعل فعلاً بلا هدف ولا فائدة ، وإلاّ فلا يكون ذلك الفعل صادراً عن فاعل قاصد وحكيم ، وهو خلاف الفرض أنه حکيم ، ولذا قال عزّ وجل : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) ، (٣) أي أنّه خلق الجن والإنس للعبادة ليصلوا إلى کمالهم.
فهذان المعنيان أشارت لهما الآيات الشريفة التي ذکرناها في بداية البحث عن دليل الحکمة الإلهية من وراء خلق السموات والأرض وما بينهما والإنسان ، وقد وصفه المولى بعدم العبث وعدم اللعب من وراء ذلک ، وبطلان کل من کان هکذا وصفه ، وهذا خلاف تصور البعض عن نهاية الإنسان والعالم ، إذ يعدانهما محصورين بهذا العالم الدنيوي فقط من دون أن يکون وراءه شيء آخر ، فيقولون لا معاد ولا رجوع ، وقد کذبهم القرآن الکريم بقوله : ( ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ
ــــــــــــــــ
١. فاطر ، ١٥.
٢. العنکبوت ، ٦.
٣. الذاريات ، ٥٦.