متأخري أعلامهم حليّة ذلك إلى ابن عباس ، وطاووس ، ويحيى بن كثير ، والحسن البصري ، وغيرهم ، مع ادعاء اجماع الصحابة على ذلك (١).
إذن لا معنى لوقوف الإمام الباقر عليهالسلام بوجه السلطة واعلان أن الصحابة العدول بزعمهم كانوا يأكلون الميتة من غير ضرورة ، زيادة على الطعن بفقهاء السلاطين ، إلّا التهلكة المحققة ، وفي أقل تقدير سيكون افتاء الخصم بواقع الأمر هواءً في شبك لا يغيّر ما اعتادوه شيئاً ، والدليل عليه هو ان فقه أهل البيت عليهمالسلام كان ولا زال موجوداً ميسّراً لمن أراده ، ولكن مخالفته بالقياس ونظائره لم تزل قائمة إلى اليوم.
هذا ، وأما عن تصريح الإمام الصادق عليهالسلام بواقع الحال وعدم خشيته في تلك الفتيا ، إنّما يؤول إلى كونه عليهالسلام عاش في ظل فترتين سياسيتين وجد فيهما متسعاً ومجالاً نسبياً للانطلاق في أرحب الميادين العلمية ، وهما فترة تداعي الدولة الاموية ، ثم تلاشيها على أيدي بني العباس ، وفترة انشغال الدولة الجديدة بتثبيت أقدامها ، ولكن لم تلبث تلك الدولة بعد توطيد أركانها أن حملت إمام الحق على التقيّة كما يُعلم من قواعد الترجيح بين الأخبار المتعارضة التي بيّنها الإمام الصادق عليهالسلام نفسه.
وهو ما حصل في قصة علي بن يقطين في مسألة تجويز الإمام الكاظم عليهالسلام له في مسألة الوضوء البدعي الذي ما أنزل الله به من سلطان إذ كان يخشى عليه من طاغية زمانه هارون ، ثم تنبيهه عليهالسلام لعلي بن يقطين
____________
(١) المبسوط / السرخسي ١١ : ٢٢٣.