على أن تقيته واضحة جداً حتى على القول الثاني ؛ لأنّه رضياللهعنه كان قد أظهر إيمانه وشافه فرعون بالحق بعد أن كتمه بتصريح القرآن الكريم ، وكتمان الحق وإظهار خلافه هو التقيّة بعينها.
وهذا الرجل العظيم لم يصفه القرآن الكريم بالنفاق ، ولا بالمحتال المخادع ، بل وصفه بأشرف الصفات وأعظمها عند الله عزَّ وجل ، صفة الإيمان.
وكيف كان ، فقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال ، عن ابن النجار ، عن ابن عباس ؛ وعن أبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر ، عن ابن أبي ليلى مرفوعاً قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون الذي قال : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) والثالث : علي ابن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (١).
وفي تفسير المحرر الوجيز : قال الجوهري : (وقد أثنى الله على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسرّه ، فجعله الله تعالى في كتابه ، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر) (٢).
وفي تفسير القرطبي في تفسيره الآية المذكورة قال : (إن المكلف إذا نوى الكفر بقلبه كان كافراً وإن لم يتلفظ بلسانه ، وأما إذا نوى الإيمان بقلبه
____________
(١) كنز العمال / المتقي الهندي ١١ : ٦٠١ / ٣٢٨٩٧ و ٣٢٨٩٨ ، ط ٥ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت. وفي حاشية كشف الأستار / محمد حسين الجلال : ٩٨ ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت / ١٤٠٥ هـ ، قال : (وحسّنه السيوطي).
(٢) المحرر الوجيز / ابن عطية ١٤ : ١٣٢ ، تحقيق المجلس العلمي بفاس / ١٤٠٧ هـ.