وهكذا حينما نرجع إلى فوائد التقيّة ، نعلم جيداً ، أن كل فائدة من فوائدها يشكّل نقيضها صفة للنفاق ، وحينئذ تُعلم الفروق الشاسعة بينهما ، لوضوح أن النفاق مع خلّوّه عن كل فائدة يُعد من أخس الصفات وأسوءها ، ويكفي أن أعلن الشارع المقدس عن مصير المنافقين وشدد النكير عليهم بقوله الكريم : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) (١). بينما جاء وصف من استخدم التقيّة في موردها كما مرّ في أدلتها بأنه من المؤمنين.
ومع وضوح هذا الأمر ؛ إلّا أنّا سنبين باختصار بعض الفروق بين التقيّة والنفاق ، إذ ربما لا يستهدي البعض إليها من خلال مراجعة فوائد التقيّة وتصور نقائضها في النفاق ، لا سيّما مع وجود من لم يفرّق بينهما كما يظهر من بعض البحوث والكتابات المعاصرة ، ومن بين هذه الفروق ما يأتي :
الفرق الأول : التقيّة ثبات القلب على الإيمان وإظهار خلافه باللسان فقط ، لضرورة مقبولة شرعاً وعقلاً. والنفاق عكس ذلك تماماً فهو ثبات القلب على الباطل واظهار الحق على اللسان فقط ، بحيث لا يتعدى فعل المنافق إلى فعل المؤمن ، واين هذا من ذاك ؟
الفرق الثاني : التقيّة لا تكون من غير ضرورة أو مصلحة معتد بها شرعاً ، وأما النفاق فهو خالٍ من كلِّ ذلك تماماً ، فهو مرض في قلوب المنافقين الذين يحسبون كل صيحة عليهم ، فكيف يستويان ؟ ومن هذا النفاق الدخول على سلاطين الجور والامراء الفسقة واطرائهم بما ليس فيهم
____________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٤٥.