ومما يجب التنبيه عليه هنا ، هو أن تقية يوسف عليهالسلام إنّما هي من جهة قول المؤذن الآتي ، الذي صحت نسبته إلى يوسف عليهالسلام باعتبار علمه به مع تهيئة مقدماته.
فانظر إلى قوله تعالى : ( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (١).
ستعلم ان قول المؤذن كان بتدبير يوسف عليهالسلام وعلمه ، وهو لم يكذب عليهالسلام ، لان أصحاب العير كانوا قد سرقوه من أبيه وألقوه في غيابات الجب حسداً منهم وبغياً.
ومما يدل على صدق يوسف عليهالسلام أن اخوته لما قالوا له بعد ذلك ( يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ) (٢).
لم يقل عليهالسلام لهم بأنا لا نأخذ إلّا من سرق متاعنا ، بل قال لهم : ( مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ ) (٣).
وبالجملة فان تقية النبي يوسف عليهالسلام إنّما هي من جهة ظهوره بمظهر من لا يعرف حال اخوته مع اخفاء الحقيقة عنهم مستخدماً التورية في حبس أخيه. وعليه تكون تقيته هنا ليست من باب الاحكام وتبليغ الرسالة حتى يُزعم عدم جوازها عليه ، بل كانت لأجل تحقيق بعض المصالح العاجلة
____________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٦٩ ـ ٧٠.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ٧٨.
(٣) سورة يوسف : ١٢ / ٧٩.