فلا يكون مؤمناً بحال حتى يتلفظ بلسانه ، ولا تمنعه التقيّة والخوف من أن يتلفظ بلسانه فيما بينه وبين الله تعالى ، إنما تمنعه التقيّة من أن يسمعه غيره ، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحته من التكليف ، وإنّما يشترط سماع الغير له ؛ ليكف عن نفسه وماله) (١).
وبالجملة ، فإنّ جميع المفسرين الذين وقفت على تفسيرهم اعترفوا بتقية مؤمن آل فرعون ، ولولا خشية الاطالة لأوردنا المزيد من أقوالهم ، ويكفي أن الخوارج الذين زعم بعضهم بأنهم ينكرون التقيّة قد صرّح أباضيتهم بالتقيّة في تفسيرهم لهذه الآية :
قال المفسر الاباضي محمد بن يوسف اطفيش عن الرجل المؤمن : (فمعنى كونه من آل فرعون أنه فيهم بالتقيّة مظهراً أنّه على دينهم ، وظاهر قوله ( يَا قَوْمِ ) أنّه منهم إلى أن قال واستعمل الرجل تقية على نفسه ، ما ذكر الله عزَّ وجلَّ عنه بقوله : ( وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ )) (٢).
ويدل عليه قوله تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٣).
____________
(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ١٥ : ٣٠٧.
(٢) تيسير التفسير / محمد بن يوسف بن اطفيش الأباضي ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٥.
(٣) سورة النحل : ١٦ / ١٠٦.